إسرائيل، فلسطين والشرق الأوسط

فاني لستُ أريدُ ايها الإخوة ان تجهلوا هذا، لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء، ان القساوة قد حصلت جزئيا لإسرائيل الى أن يدخل ملؤُ الأمم 26 . وهكذا سيخلص جميعُ إسرائيل. كما هو مكتوب: " سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجورَ عن يعقوب" 27. وهذا هو العهد من قبلي لهم متى نزعت خطاياهم" 28. ومن جهة الانجيل هم أعداء من أجلكم، وأما من جهة الاختيار انهم احباء من اجل الآباء. 29 . لان هبات الله ودعوته هي بلا ندامة. 30 فأنه كما كنتم أنتم مرة ً لاتطيعون الله لكن الآن رحمتم بسبب عصيان هؤلاء، 31 هكذا هؤلاء أيضا الآن لم يطيعوا لكي يرحموا هم ايضا برحمتكم. 32 لأن الله اغلق على الجميع معًا في العصيان ، لكي يرحم الجميع.

اليوم أريد ان أتناول مسألة العلاقة بين إسرائيل و"أرض الميعاد" في الشرق الاوسط. هذا ليس أساسا مقال توضيحي لرسالة رومية، بل هو مسعى بذل لاستنتاج مضمون رسالة رومية 11 وباقي الانجيل وسط المشاكل الشائكة التي يواجهها العالم اليوم. أن وجود إسرائيل في الشرق الاوسط وامتداد حدودها وسيادتها لعله من اهم اسباب عوامل الانفجار في عالم الارهاب واكثرها تقلبلا في العلاقات الغربية العربية.

تمتد جذور العرب واليهود في هذه الارض الى آلاف السنين. كلاهما يدعي ملكية الارض ليس بسبب الوجود التاريخي فحسب بل بسبب الحق الالهي. انا لا احاول أن اضع خطة سلام مفصلة. لكنني احاول أن افسر بعض الحقائق التوراتية – الانجيلية التي يمكن ان تقودنا الى التفكير بالسلام والعدالة في تلك البقعة من العالم. السياسيون يتأثرون بأراء ناخبيهم لذلك فان أرائنا وافكارنا مهمة في هذه الاجواء الدينية المشحونة جداً. نحن بحاجة ان نعرف كيف نصلي. وكيف نتحدث الى الاخرين بطريقة نعظم ونحترم فيها الحقيقة. اذاً، لجميع هذه الأسباب ولسبب أن الله متشابك في القضية، ينبغي أن نتحدث عنها ضمن سياق رسالة رومية 11.

رأينا في رسالة رومية 11 ان إسرائيل ككل، -كجماعة عرقية ، في حالة معاناة مستمرة من جيل الى جيل – لها عهود مقطوعة تمتد جذورها الى إبراهيم وذريته. 16 "وأن كان الأصل ُ مقدسًا فكذلك الأغصان". نفسر هذا المقطع في ضوء الآية 28 " من جهة الإنجيل، هم [إسرائيل] أعداء (الله) من أجلكم [الأمم]. من جهة الاختيار فهم أحباء من أجل الآباء." تقابل "الآباء" هنا الاصل في الآية 16. اذ تتضمن الوعود الى الأباء، انه في يوم ما ستكون الشجرة كلها مع جميع أغصانها محفوظة.

تقول الآية 28، في الوقت الحالي "هم أعداء". آية 28 "من جهة الإنجيل، هم [إسرائيل] اعداء الله." بمعنى أخر، أنهم يرفضون مسيحهم وبهذا يضعون انفسهم في موقف ضد الله. هذا ما قاله المسيح لإسرائيل في يوحنا 8 : 42 " لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني". المسيح هو علامة الاختبار، في حال اذا كانت ديانة الشخص هي عبادة الخالق الحقيقي. لكن إسرائيل لاتحب المسيح كأبن الله ولا تريده مسيحا لها. لذلك هم الآن "أعداء الله".

تقول آية 16 " وأن كان الأصل ُمقدسًا فكذلك الأغصان". وتعني اذا كان الله هو الذي اختار لنفسه الآباء، إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وميزهم واقام لهم عهود الميثاق /الموعد ، أذن في يوم ما ( بعد انقضاء هذا الزمن الراهن من العداء والضغينة والقساوة ) سيعود أحفادهم الى الله عن طريق المسيح، ويكونوا شعب مقدس مميز عند الله. وسيُردُ الفجورو الشك عن يعقوب الى الابد. (آية 26.)

بناء عليه نسأل الآن هل ما يسمى " بأرض الميعاد" هو جزء من الإرث والخلاص الذي سيعود الى "كل إسرائيل" (26)؟ واذا كان هذا صحيحاً، ماذا يمكن ان يقال عن حق إسرائيل في الارض اليوم؟ أردتُ اثناء اعدادي الجواب لهذا السؤال أن أجزم سبعة حقائق تقوم على الكتاب المقدس

١. الله اختار إسرائيل من بين كل شعوب العالم ليكون شعبه المختار.

تثنية 7: 6، "إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبًا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض."

٢. الارض كانت جزء من الإرث الموعود لإبراهيم ونسله إلى الأبد.

التكوين 15: 18 "في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقًا قائلاً : "لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر الى النهر الكبير، نهر الفرات."

ثم في التكوين 17: 7-8 يقول الله لإبراهيم " وأقيم عهدي بيني وبينك، وبين نسلك من بعدك عهداً أبدياً، لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك. 8 وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكًا أبدياً، وأكون إلههُم."

ثم وثلّق الله الوعد ليعقوب، حفيد إبراهيم في التكوين 28: 13 ، " وهوذا الرب واقف عليها، فقال: " أنا الربُ إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق. الأرضُ التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك". وعندما كان يحتضر يعقوب دعا يوسف وقال له (التكوين 48: 3). "الله القادر على كل شئ ظهر لي في لُوز، في أرض كنعان وباركني. 4 وقال لي؛ ها أنا أجعلك مثمرًا وأكثرُك، وأجعلك جمهوراً من الأمم، وأعطي نسلك هذه الأرض من بعدك ملكًا أبديًا."

هذا بالطبع، يخلق شقاً كبيراً بين كل من الرؤية الاسلامية لميثاق الله والرؤية اليهودية والمسيحية لنفس الميثاق. لكننا نؤمن بأن هذه كلمات الله، مؤكدة من قبل السيد المسيح، ولذلك نقول، أن الأرض مقدر لها ان تكون أرض إسرائيل.

لكن ليس بهذه السهولة. هذه قضية لا يمكن التعامل معها بكلمات رنانة.

٣. العهود المقطوعة لإبراهيم، من ضمنها وعد الارض، ستكون هبة متوارثة أبديًا فقط لإسرائيل الروحانية الصادقة وليس لإسرائيل العاصية الغير مؤمنة.

هذا كان الهدف من رومية 9. عندما حزن بولص على ضياع الكثير من اليهود الذين رفضوا المسيح وصاروا هالكين، قال في آية 6-7 "ولكن ليس هكذا حتى إن كلمة الله قد سقطت. لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون. 7 ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعا أولادُ". بمعنى أخر، لايمكن لأحد ان يطالب بالوعود لمجرد انه يهودي. العرق اليهودي له مكانة في خطة الله، لكنه ليس كاف لضمان أي شئ. فهو غير قادر بحد ذاته أن يؤهل الشخص ليكون وريثًا لوعود إبراهيم ونسله. يقول رومية 9: 8 بوضوح: "أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الله، بل أولاد الموعد يُحسبون نسلاً." فكون الشخص يهودي بالولادة لا يجعل منه وريث للوعد ـــ ولا حتى وعد الأرض او أي وعدٍ أخر.

هذا كان واضحاً في العهد القديم، وكذلك في تعاليم السيد المسيح (سنراه في الحقيقة #4 ). على سبيل المثال، في قائمة اللعنات الرهيبة التي وعد الله أن ينزلها على الشعب اذا نقضوا الميثاق وتخلوا عنه هي الاتي: "وكما فرح الرب لكم ليحسن إليكم ويكثركم، كذلك يفرح الرب لكم ليفنيكم ويهلككم، فتستأصلون من الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها". (تثنية 28: 63 ). طوال تاريخ إسرائيل، بما فيه نقضهم للميثاق وعصيانهم ووثنيتهم جمعاء جردت إسرائيل من حقها الالهي الراهن بالأرض. (راجع أيضا دانيال9: 4-7، المزامير 78: 54- 61)

أحذر من أن تستنج من كل هذا أن الأمم الغير يهودية (مثل العرب) لها الحق أن توقع الأذى بإسرائيل. أحكام الله على إسرائيل لاتسمح للبشر بارتكاب الإثم ضد إسرائيل. إسرائيل لاتزال تملك الحق في مجال حقوق الإنسان بين الأمم، وحتى عندما فقدت حقها الالهي الحالي في الارض. تذكر أن الأمم التي اغتبطت وتشمتت لمصائب الآخرين نتيجة لتوبيخ الله عوقبت من قبل الله. (أشعياء 10: 5-13، يوئيل 2:3)

لذلك فالوعد المقطوع لإبراهيم أن نسله سيرث الأرض لا يعني أن كل اليهود سيرثون ذلك الوعد. سيكون في النهاية الى إسرائيل الحقيقية، التي تحفظ الميثاق وتطيع الله.

٤. يسوع المسيح جاء الى العالم على انه المسيح (المسايا) اليهودي لكن شعبه رفضه ونقضوا ميثاقهم مع ألههم.

عندما سأل السيد المسيح تلاميذه، "وأنتم ، من تقولون إني أنا؟، فأجاب سمعان بطرس وقال: "أنت المسيح [ يعني يسوع المسيح اليهودي]، إبن الله الحي! "، فأجاب يسوع وقال له: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات".(متى 16 : 16 -17). وعندما سأل رئيس الكهنة يسوع قائلاُ: "أأنت المسيحُ ابنُ المبارك؟" فقال يسوع، أنا هو.. وسوف تبصرون اني الإنسان جالسًا عن يمين القوة ، وآتيًا في سحاب السماء". (مرقس 14: 61-62).

ولكن على الرغم من أن يسوع هو المسيح (المسايا) وهو الذي قام بأعمال عظيمة وعلم بسلطة قوية وأتمّ وعود العهد القديم ، فمع هذا فقد رفضه شعب إسرائيل بأكمله. كان هذا أخطر عصيان ونقض للميثاق ارتكبته إسرائيل في تاريخها كله.

لهذا السبب قال المسيح مثل الكرامين الذين قتلوا ابن صاحب الكرم ِعندما جاء وقت قطف الثمار، وأنهى المثل بكلمة الى إسرائيل في متى 21: 43 ، "لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمةٍ تعمل أثمارهُ". وللسبب نفسه قال في متى 8: 11-12 ، بعد أن رأى إيمان القائد الروماني وشك إسرائيل " إن كثيرين [الأمم من غير اليهود] سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات، 12 وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان ِ".

إسرائيل نقضت الميثاق مع إلهها وتعيش اليوم في حالة عصيان وعدم إيمان بابنه ومسيحها. من أجل هذا قال بولص الرسول في رومية 11 : 28، " من جهة الإنجيل [ الأخبار الجيدة عن المسيح ]هم أعداء الله."

٥. بناءً عليه، لا يجوز لدولة إسرائيل العلمانية في الوقت الحاضر الادعاء بالحق الالهي للأرض، لكن يجب علينا وعليهم ان نبحث عن تسوية سلمية لا تقوم على الحقوق الالهية ، بل على مبادئ دولية عن العدل والاستيطان السلمي والرحمة والمنفعة العملية.

نستنتتج من كل الذي قلناه حتى الآن، والآثار المترتبة على أولئك منا الذين يؤمنون بالانجيل ويثقون بالمسيح مخلصاً وبأنه سيد التاريخ، يجب ان لا نقوم بتأييد كليّ لاعمال اليهود او الفلسطينين. إن تأييدنا او شجبنا يجب ان يكون وفقا لمعاييرالكتاب المقدس في العدالة والرحمة بين الناس. يجب أن نشجع ممثلينا لبحث تسوية نزيهة آخذين في نظر الاعتبار الادعاءات التاريخية والاجتماعية لكلا الطرفين. كما يجب عدم السماح بترجيح كفة العدل من خلال تقديم ادعأت الهية لملكية الأرض اذا كنت تعتقد أن هذا صحيحًا، سيكون من المفيد لممثليك ان يعرفوا هذا الشئ أيضا.

نحن لسنا إرهاب مستتر ولانعمل على تغطية حجم القوة اليهودية وأنا لا أقوم بأي محاولة ،من جانبي، لتقييم مقاييس اللوم او التكافؤ الاخلاقي. هذا ليس هدفي. غايتي هي وضع الجدال على أسس متوازنة بمعنى: أن لا يستجدي أي من الطرفين تذرعات العدالة الدولية بادعاء الحقوق الالهية الراهنة. إن محاولة استنباط حقيقة تلك العدالة لايزال مهمة مروعة جداً. أنا لم أحل المشكلة. لكنني أعتقد أننا سنحرز تقدم أفضل لو رفضنا الخضوع الى ادعاءات كلا الطرفين المصدقة عرقيًا او دولياً من قبل الله في صراعهم الحالي.

٦. في الإيمان بالسيد المسيح، المسيح اليهودي (المسايا)، تصبح الأمم (الغير يهودية) وريثةً لوعد إبراهيم، بما فيه أرض الميعاد.

في كلمات رومية 11: 17، " أنت [ الغير يهودي] زيتونة برية طُعمت فيها، فصرت شريكًا في أصل الزيتونة ودسمِها." ـــــــ وبهذا اصبحوا جزء من شعب وعد الميثاق المحرر الذي يشارك إيمان ومعتقد إبراهيم. السبب كما وضعه بولص الرسول في رومية 4: 13، " فأنه ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثًا للعالم، بل ببر الإيمان." لذلك كل المتحدون بالمسيح، نسل إبراهيم، بالإيمان هم جزء من الميثاق المقطوع معه ومع نسله.

ها هي الشهادة الاكثر شمولا عن هذه الحقيقة ـــــــ أفسس 2 : 12، " تذكروا أنكم [الغير يهود] كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح، أجنبيين عن رعوية إسرائيل، وغرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لكم، وبلا إله في العالم. 13 ولكن الآن في المسيح يسوع، أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين، صرتم قريبين بدم المسيح....، 19 فلستم إذاً بعد غرباء ونزلا، بل رعية مع القديسيين وأهل بيت الله".

بالتالي كل من اليهود المؤمنين بالمسيح والأمم (الغير يهودية) المؤمنة سيرثون الأرض. وأسهل طريقة لفهم هذا هو أن تعلم اننا سوف نرث العالم بما فيه الأرض. المسيحيون اليهود والمسيحيون من غير اليهود سوف لايتشاحنون بشأن عقار أرض الميعاد لأن السماء الجديدة والأرض الجديدة بأسرهما سيكونان لنا. 1 كورنثوس3 : 21-23 ، "فإن كل شيء لكم.، 22 أبولس، أم أبلوس، ام صفا، أم العالم، أم الحياة، أم المستقبلة.ـــ كل شئ لكم. 23 وأما أنتم فللمسيح، والميسح لله." كل أتباع المسيح، وفقط أتباع المسيح سيرثون العالم بما فيه بقعة الأرض هذه.

٧. أخيراً، سيعطى هذا الميراث لشعب المسيح عند القدوم الثاني للمسيح ليقيم مملكته، ليس قبل، وحتى ذلك الوقت، يجب علينا نحن المسيحيون أن لا نحمل السلاح للمطالبة بإرثنا، بل بالأحرى أن نهيئ حياتنا لمقاسمة إرثنا مع أكبر عدد ممكن.

تذكرون أن الكلمة الأكثر أهمية التي قالها السيد المسيح في يوحنا 18 : 36 ، "مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا."

المسيحيون لايحملون السيف للفوز بمملكة المسيح. نحن ننتظر مملكة من السماء ُتسلم لنا بقوته الجبارة. وفي ذلك اليوم العظيم ستستلم الأمم (الغير يهودية) واليهود الذين اكتنزوا المسيح ما كانوا قد وعدوا به. سيكون هناك انقلاب عظيم: الاخرون سيكونون أولين والودعاء ـــــ بالارتباط مع حمل الله ــــــ سيرثون الأرض.

لذلك، تعالوا الى الوديع المتواضع مازال هناك وقت، واستلموا مغفرة الخطايا ورجاء المجد.