هل هناك مشيئتان لله؟

من الممكن أن نُسمي النصوص الواردة في رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ۲: ٤؛ رِسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيَةُ ۳: ۹؛ و حِزْقِيَال ۱۸: ۲۳ بركائز المذهب الأرمينينيسمي (Arminian) بما يتعلّق بإرادة الله لخلاص الشامل لكل البشر.

Article by

Founder & Teacher, desiringGod.org

إنّه من الممكن بأن التفسير الدقيق لرِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ۲: ٤ قد يقودنا للإعتقاد بأن عبارة "الله يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ" لا تعني كل فرد في العالم، ولكن بالأحرى جميع الناس (sorts) ، حيث أن "جميع الناس" في هذه الجملة قد تعني ايضاً جماعات مثل " الملوك وجميع الذين هم في منصب" (عدد ۲). ومن الممكن ايضاً أن كلمة "علينا" في رِسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيَةُ ۳: ۹ (وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ) لا تشير الى كل فرد في العالم ولكن الى "أنتم" الذين اعتنقتم المسيحية ومن بينهم ، بحسب قول Adolf Schlatter، "هم هؤلاء الذين فقط من خلال التوبة باستطاعتهم ان يكتسبوا نعمة الله والميراث الموعود."

هدفي هنا هو إظهار بحسب ما ورد في الكتاب المقدّس بأنّ تزامن وُجود مشيئة الله بأن " جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ" (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ۲: ٤) ومشيئته باختيار الغير المشروط لأولئك الذين سوف يخلصون فعلاً لا يدل على انفصام الشخصيّة الإلهيّة أو على إرتباك في ألتفسير لأيات الكتاب المقدس. ولكن هدفي هو إظهار أن الإختيار الغير المشروط هذا لا يتعارض مع تعابير (توراتيّة) وردت في الكتاب المقدس عن رحمة الله لكل البشر، ولا يُبطل أو يُلغي الدعوة الصادقة لكل من فُقِد من بين جميع شعوب العالم.

من الممكن أن نُسمي النصوص الواردة في رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ۲: ٤؛ رِسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيَةُ ۳: ۹؛ و حِزْقِيَال ۱۸: ۲۳ بركائز المذهب الأرمينينيسمي (Arminian) بما يتعلّق بإرادة الله لخلاص الشامل لكل البشر. في رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ۲: ۱- ٤ يقول بولس بأنّ سبب الذي يحثُنا للصلاة لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب هو لكي نقضي حياة مسالمة وهادئة، لأَنَّ هذَا "حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ (theleiboulomenos) أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ." وفي حِزْقِيَال ۱۸: ۲۳ و ۳۲ يتحدّث الرّب عن خوالج قلبه نحو الهالكين: "هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟... لأَنِّي لاَ أُسَرّ ()ehephoz) بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَارْجِعُوا وَاحْيَوْا" (قارن ڊ ۳۳: ۱۱).

إنّه من الممكن بأن التفسير الدقيق لرِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ۲: ٤ قد يقودنا للإعتقاد بأن عبارة "الله يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ" لا تعني كل فرد في العالم، ولكن بالأحرى جميع الناس (sorts) ، حيث أن "جميع الناس" في هذه الجملة قد تعني ايضاً جماعات مثل " الملوك وجميع الذين هم في منصب" (عدد ۲). ومن الممكن ايضاً أن كلمة "علينا" في رِسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الثَّانِيَةُ ۳: ۹ (وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ) لا تشير الى كل فرد في العالم ولكن الى "أنتم" الذين اعتنقتم المسيحية ومن بينهم ، بحسب قول Adolf Schlatter، "هم هؤلاء الذين فقط من خلال التوبة باستطاعتهم ان يكتسبوا نعمة الله والميراث الموعود."

بالرغم من ذلك، فقضية تقيد إرادة الله ونعمة خلاصه للعالم لم تكن مُقنعة للمذهب الأرمينينيسمي Arminians وعلى الأرجح لن تكن كذلك، خاصة وان حِزْقِيَال ۱۸: ۲۳ و ۳۲ و۳۳: ۱۱ أقل تساهلاً لهذا القيد. لذلك، وكمؤمن من صميم قلبي بالأختيار الفردي الغير المشروط ، أُأكد بكل إبتهاج (تهليل) بأنّ الله لا يبتهج لهلاك الفرد الغير نادم على خطيئته، بل يرحم جميع البشر. وهدفي أن أُثبت أن هذا ليس لعباً على الكلام أو مراوغة.

المُهمّة في هذا الفصل ليست الدفاع عن العقيدة القائلة بأن الله يختار دون قيد أو شرط من يشاء أن يُخلّص. فقد حاولت ذلك في مكان آخر، وآخرون قاموا بذلك في هذا الكتاب. ومع ذلك سأُحاول أن أُقدّم قضيّة ذات مصدقيّة. بينما النصوص التي تؤلف ركائز المذهب الأرمينينيسمي Arminian قد تكون فعلا دعائم الحب الشامل، ولكنها ليست بأسلحة ضد الإختيار الغير مشروط. وإذا نجحت، سيكون هذا نأكيداً غير مباشر لفرضية هذا الكتاب. بالواقع، أظن بأن مذهب الأرمينينيسمي Arminians قد أخطئوا عندما حاولوا أخذ ركائز الحب الشامل وجعلوا منها أسلحة تُناقض نعمة الإختيار.

إنّ تأكيد على إرادة الله في ان يُخلّص الجميع all، والتأكيد أيضاً على الإختيار غير مشروط للبعض some، يدل على أنّ ثمة "إرادتين" على الأقل في الله، أو طريقتين لفعل الإرادة عنده. وهذا الأكيد المزدوج يفترض أن الله يرسم حالة معينة لجريان الأمور فيما يشاء أيضا ويُعلّم أن حالة مختلفة للأمور ينبغي أن تحدث. وهذا التميّز في الطريقة التي يمارس الله فيها مشيئته جرى التعبير عنها بطرق مختلفة عبر العصور. وهذا ليس بالإبتداع الجديد. فمثلاً، يتحدّث اللاهوتيّون عن المشيئة السياديّة (المتسلطة)؛ المشيئة الأدبيّة؛ المشيئة الفعّالة؛ المشيئة السماحيّة؛ المشيئة السريّة؛ المشيئة المعلنة؛ مشيئة رسم الوصايا ؛ مشيئة الأوامر؛ مشيئة الآمرة؛ المشيئة المدركة، voluntas signi and voluntas beneplaciti( مشيئة المسرّة).

Pinnock يُشير باستنكار الى " التناقض الكبير لمفهوم الإرادتين الإلهيّة للخلاص." في كتاب Pinnock الجديد (A case for Arminianism) يُجادل Randall Basinger بأنّ "إذا رسم أو أمر الله كل الأمور، يجب عندئذ أن تكون كل الأمور cannot و should غير مختلفة عن ما هي عليه." بعبارة أخرى، هو يرفض الفكرة بأنّ الله باستطاعته أن يُحدد مسار أمر ما ومع ذلك أن يُعلّم أنّه ينبغي علينا أن نتصرّف لجعله مغايراً للطريقة التي رسمها. يقول بأنّه من الصعب جداً " أن نستوعب بالمنطق وُجود هذا التميّز في طبيعة الله."

وفي المجلّد نفسه يُجادل Fritz Guy بأن وحي الله في المسيح أحدث "نقلة نوعيّة" في الطريقة التي يجب علينا النظر فيها الى محبة الله— أي أن محبة الله هي "أكثر جوهراً ، وقبل، العدالة والسلطة." هذه النقلة، كما يقول تجعل من الممكن النظر الى"مشيئة/ إرادة الله" على أنّها تقوم على المسرّة أكثر منها على صنع القرار." فإرادة الله ليست قصده التسلطي الذي يحدث بشكل معصوم، بل بالأحرى هي "توق العاشق للحبيب."إن إرادة الله تمكن في نيّته وحنينه الشامل وليس قصده السيّادي الفعّال. ذهب الدكتور Guy الى أبعد من ذلك عندما قال، "وبغضّ النظر عن الإفتراض المسبق بوجود القدريّة، يصبح واضحاً بأنّ "إرادة" الله يجب أن تُفهم دائماً (sic) من حيث النيّة والرغبة [ وليس من حيث قصده السيّادي النافذ]."

هذه الإنتقادات ليست بجديدة. فقد كتب Jonathan Edwards منذ .۲۵ ، " الأرمينينيسميون Arminians سخِروا من التميز بين مشيئة الله السرّيّة ومشيئنه المُعلنة، أو، بشكل أوضح، التميز بين أمر (رسم) الله وقانونه لأنّه من الممكن القول بأن الله يُقر/ يرسم شيء ما ويأمر بشيء آخر. وهكذا، هم يُجادلون ونحن نتمسك بالتميز في إرادة الله، كما لو أن إرادة واحدة فيه تتناقض مع أُخرى."

ولكن بالرغم من هذا التناقض يبقى التميز، ليس بسبب الإستنتاج المنطقي أو اللاهوتي بل لان لا مفرمن هذا الموضوع في الكتاب المقدس. أكثر كتابات دقّة في علم تفسير للكتاب في كتاب Pinnock Case for Arminianism تعترف بوجود إرادتين في الله. يُطبّق I.Howard Marshall موهبته في علم تفسير الكتاب المقدس عبر تفسيره للرسائل الرعويّة/ الرسوليّة. حول لرِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ ۲: ٤ يقول:

لتجنب كل المفاهيم الخاطئة ينبغي التوضيح منذ البداية بأنّ الحقيقة القائلة بأنّ الله يرغب او يشاء أن يخلص جميع البشر لا تعني بالضرورة بأنّ الجميع سيستجيب لبشارة الإنجيل ويخلص. إنّه من المُحتّم علينا التميز ما بين ما يرغب الله بأن يحدث وما يرسم أو يشاء فعليّاً، وكلا الفعلين هما مشيئة الله . المسألة المطروحة ليست ما إذا كان الجميع سيخلص بل ما إذا قام الله بتدبير خلاصيّ للجميع في المسيح، شرط أن يؤمنوا، ومن دون الحد من أبعاد وأهمية موت المسيح بهؤلاء اللذين يعلم الله بأنّهم سيؤمنون فقط.

في هذا الإصحاح أُريد أن أُشدّد على وحهة نظر Marshall "بأنّه علينا طبعاً التميز ما بين ما يرغب الله أن يراه يحدث وما يشاء فعلياً أن يحدث، وبأنّه يمكن إعتبار الإثنين تجسيداً لمشيئة الله." ولعل الطريقة الأكثر فعّاليّة للقيام بذلك هي البدء بلفت الإنتباه الى الطريقة التي يصف فيها الكتاب المقدس أرادة الله لأمر بمعنى ما لا يرضى به بمعنى آخر. ثم، وبعد الإطلاع على بعض الأدلّة الكتابيّة يمكننا الرجوع والتأمل في كيفيّة فهم ذلك فيما يختص بمقاصد الله الخلاصيّة.

توضيح للإرادتين في الله

موت يسوع المسيح

إنّ المثال الأقوى (الأكثر إقناعاً) على إرادة الله بحدوث الخطيئة وعدم موافقته على الخطيئة في الوقت ذاته هو إرادته أن يموت إبنه الإلهي الكامل/البار. خيانة يهوذا ليسوع كان فعلاً إخلاقي شرير أوحى به الشيطان مباشرة (إنجيل لوقا 22: 3). ومع ذلك يقول لوقا في أعمال الرسل 2: 23 " (يسوع) هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ (boule) وَعِلْمِهِ السَّابِقِ > ." الخيانة كانت خطيئة أُستخدم الشيطان فيها كأداة؛ ولكنّها كانت جزءاً من خطّة الله المرسومة مسبقاً. أي، هناك مغزى من وراء أرادة الله تسليم إبنه، مع إن فعل التسليم هذا كان خطيئة.

علاوة على ذلك، إحتقار هيرودس ليسوع (إنجيل لوقا 23: 11) وذريعة بيلاطس الواهية النفعية (إنجيل لوقا 23: 24) وصراخ اليهود "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" (إنجيل لوقا 23: 21) وسخرية الجنود اليونانيين (إنجيل لوقا 23: 36) كانت أيضاً مواقف وأفعال خاطئة. ومع ذلك في اعمال الرسل 4: 27 – 28 يُظهر لوقا إدراكه لسيادة الله في هذه الأفعال وذلك من خلال تسجيله لصلاة قديسيّ أورشليم:

حقاً في هذه المدينة اجتمعوا معاً ضد خادمك البار يسوع، ذاك الذي مسحته بالزيت، هيرودس وبيلاطس البنطي والأمم وشعوب إسرائيل للقيام بكل ما رسمت مُسبقاً يدك وخطتك (boule) بأن يحدث .

رفع هيرودس وبيلاطس والجنود والحشد اليهودي أيديهم وتمرّدوا ضد العلي فقط ليجدوا بأنّ تمردهم هذا كان خدمة (بالخطيئة) غير متعمدة لتحقيق مخطط الله الغير معلن.

موت المسيح الشنيع كان من ضمن مشيئة وعمل الله الآب. يقول أشعيا : " وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا، مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ …. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ " (أشعيا 53: 4، 10). كان لإرادة الله الدور الأكبر في سير الأحداث التي ادت الى موت الإبن على الصليب. إعتبر الله " أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ" ( الرسالة الى العبرانيين2: 10). ومع ذلك، يُشير Jonathan Edwards بأن معاناة المسيح " لم تكن لتحصل غير عبر الخطيئة. لأنّه كان لِزاماً على المسيح ان يتعذّب ويخضع للإزدراء والعار."

إنه لشيء غني عن التعريف بأن الله يأمر بطاعة القانون الأخلاقي الذي رسمه، وإنه يأمر بذلك بطريقة يرفضها العديد. وهذا واضح في العديد من النصوص: "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ (thelema) أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (إنجيل متّى 7: 21). "لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي" (إنجيل متّى 12: .5). "وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 17). " مشيئة الله" في هذه النصوص هي التعاليم السماويّة الأخلاقيّة التي نصّ عليها عهدي القديم والجديد من الكتاب المقدّس، وجميعها تُحرّم الخطيئة.

وهكذا فنحن نعلم بأنّه كان وليس "مشيئة الله" التي حثّت يهوذا وبيلاطس وهيرودس وجنود اليونانيين والحشود اليهوديّة بأن يعصوا قانون الله الاخلاقي عندما بالخطيئة أقدموا على تسليم يسوع للصلب. ولكننا نعلم أيضاً بأنها كانت مشيئة الله بأن يحدث هذا. ولذلك ، فنحن نعلم بأنّ الله يشاء أمر ما بمعنى ما لا يرضى به بمعنى آخر. وبالتالي، أُثبتت إفادت I.Howard Marshall بموت يسوع: " يجب علينا بالتأكيد التميز بين ما أرادّ الله أن يراه يحدث وما أمر بأن يحدث فعليّاً."

الحرب ضد حمل الله

هناك سببين يجعلانا نتجه الى رؤيا يوحنا الاهوتي 17: 16-17. السبب الأول هو أن الحرب ضد ابن الله، والتي بلغت الذروة في الخطيئة واكتملت بصلب يسوع، تؤكد ما رأيناه وعرفناه عن مشيئة الله. والسبب الآخر هو أنّ هذا النص يُظهر إدرك يوحنا لدور أو تدخّل الله الفعّال بتحقيق النبوءات والذي اقتضى الخطيئة.رؤية يوحنا هذه شملت بعض الأحداث الأخيرة من التاريخ.

"أَمَّا الْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ، هم والْوَحْشِ سَيُبْغِضُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. لأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ بأن يكونوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ" (رؤيا يوحنا الاهوتي 17: 16-17).

المغزى الأساسي واضح في هذا المقطع من دون الدخول في كل التفاصيله. الوحش "وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَة" ((رؤيا يوحنا الاهوتي 17: 8). هو تسجيد للشر والتمرد على الله. فالقرون العشرة هي عشرة ملوك ( عدد 12) وهم " سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ" (عدد 14).

شن الحرب على حمل الله هو خطيئة، والخطيئة تتعارض مع مشيئة الله. ومع ذلك يقول الملاك (حرفياً) "لأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ (الملوك العشرة) أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ" (عدد 17). لذلك فالله شاء/أراد (بمعنى ما) ان يؤثر على قلوب الملوك العشرة لكي يقوموا بما هو عكس هذه المشيئة (بمعنى آخر).

بالإضافة الى ذلك، الله فعل ذلك ليُتمم/ يُكمل كلمات النبوءات. الملوك العشرة سيتعاونون مع الوحش " حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ" ( عدد 17). ولهذا دلالة على شيء مهم حول إدراك يوحنا م يتعلّق بتحقيق "النبوءات التي ستؤدي الى الإطاحة بضد المسيح." هذا يعني (على الأقل بالنسبة ليوحنا) بأن النبوءات الله ليست مجرد تنبوءات/ تكهنات التي يعلم الله مسبقاً انّها ستحدث، بل هي نوايا الاهيّة التي أكّد الله انّها ستتحقق. إننا نعلم هذا لأنّه في عدد 17 يقول بأنّ الله يعمل ليرى بأن الملوك العشرة يتعاونون مع الوحش " حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ." لا يُهلل يوحنا لروعة معرفة الله المُسبقة لحدوث شيء مروع، بل يُهلل للسيادة الله الرائعة التي تعمل لحصول هذا الحدث الكريه. النبوءات المكتملة/ الناجزة، برأي يوحنا، هي ليست تنبىء فقط، ولكنها الأداء العظيم الموعود به.

هذا لشيء عظيم لأنّ يوحنا يُخبرنا في إنجيله بأنّ هناك نبوءات في العهد القديم عن أحداث تدور حول موت المسيح والتي تقتضي الخطيئة. هذا يعني بأنّ الله أراد أن يسبب بحدوث وقائع التي تتضمن أشياء هو يُحرّمها. من هذه الأحداث خيانة يهوذا ليسوع (إنجيل يوحنا 13: 18؛ مزامير 41: 9)،بغض الأعداء ليسوع (إنجيل يوحنا 15: 25؛ مزامير 69: 4؛ 35: 19)، الإقتراع على ثوب يسوع (إنجيل يوحنا 19: 24؛ مزامير 22: 18)، و طعن جنب يسوع بالحربة (إنجيل يوحنا 19: 36- 37؛ الخروج 12: 46؛ مزامير 34: 20؛ زكريّا 12: 10).عبّر يوحنا نظريّته الآهوتيّة عن سيادة الله بالكلمات التالية: " حصلت هذه الأمور لكي تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ." بكلمات أخرى، هذه الأحداث لم تكن مجرد وليد صدفة تنيأ بها الله، ولكنها من ضمن خطة الله صمم أن تحدث. لذا، وللمرة الثانية نجد تأكيداً لكلماتHoward Marshall :" بأنّه يجب علينا بالتأكيد التميز بين ما أرادّ الله أن يراه يحدث وما أمر بأن يحدث فعليّاً."

التصلب/ القسوة هوعمل الله

دليل آخر يظهر بأن الله يشاء حالة ما لا يرضى بها بمعنى آخر هو شهادة الكتاب المقدس الذي يقول بأنّ الله شاء أن يقسّي قلوب البعض لتصبح متصلّبة في سلوك الأثيم، الشيء الذي يستنكره ويرفضه الله.

أكثر الأمثلة المعروفة هي تصلّب قلب فرعون. في خروج 8: 1 يقول الرب لموسى،" ادْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقُلْ لَهُ: هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي"." بعنى آخرأمر الله،اي، إنّ إرادته بأن يطلق فرعون شعب اسرائيل. ومع ذلك، ومنذ البداية، شاء الله بأن فرعون لا يسمح للشعب إسرائيل ان يذهب. في سفر الخروج 4: 21 يقول الرَّبُّ لِمُوسَى: "عِنْدَمَا تَذْهَبُ لِتَرْجعَ إِلَى مِصْرَ، انْظُرْ جَمِيعَ الْعَجَائِبِ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِي يَدِكَ وَاصْنَعْهَا قُدَّامَ فِرْعَوْنَ. وَلكِن أنا سأُشَدِّدُ قَلْبَهُ حَتَّى لاَ يُطْلِقَ الشَّعْبَ." في وقت ما أقرّ/إعترف فرعون نفسه بأنّ عدم رغبته في السماح لبني إسرائيل بالذهاب هو خطيئة: "وَالآنَ اصْفَحَا عَنْ خَطِيَّتِي" (الخروج 10: 17). وهكذا، ما نستشفّه هنا هو أنّ الله أمر فرعون بالقيام بفعل ما ذاته الذي شاء الله أن لا يحصل. الأمر الحسن الذي يأمره الله إيّاه يرفض/يمنع. والأمر الذي يسمح بحصوله يقتضي الخطيئة

قد حاول البعض تجنب هذا التضمين بالإشارة الى انّه خلال ضربات الخمس الأولى لا يقول النص بشكل صريح بأنّ الله هو من قسّى قلب فرعون بل إنّه " قد قٌسّي/ أُغلظ" ( الخروج 7: 22؛ 8: 19؛ 9: 7) أو أن فرعون هو من قسّى قلبه (الخروج 8: 15، 32)، وإنّه إعتباراً من الضربة السادسة يُشير النص بوضوح بأنّ " الرب شدّد/ أغلظ قلب فرعون" (الخروج 9: 12؛ 10: 20، 27؛11: 10؛ 14: 4). على سبيل المثال R.T. Forster و V.P. Marston يقولا إنّه فقط إعتباراً من الضربة السادسة وما بعد /منحى الرّب فرعون " قوة خارقة ليكمل مساره الشر في هذا التمرد."

ولكن لم تنجح هذه الملاحظة في تجنب الأدلّة على وجود إرادتين في الله. حتّى لو كان Forster و Marston مُحقّان بقولهما بأنّ الله لم يشأ بأن يُقسّي قلب فرعون خلال ضربات الخمس الأولى، ولكنّهما أقرّا بأنّ الله شاء ذلك في الضربات الخمس الأخيرة، على أقل تقدير من حيث تقوية الله فرعون على المضي في مسار التمرد. وبالتالي، هناك معنى ذا دلالة على أن الله شاء أن يستمر فرعون برفضه إطلاق أسر بني إسرائيل، ومعنى آخر ذا دلالة على أن الله شاء أن يطلق فرعون الشعب. إذ أنّه أمر: "إطلق شعبي." هذا يوضّح لماذا اللاهوتيين يتحدّثون عن"مشيئة الله الآمرة" ("إطلق شعبي") و "مشيئة رسم الوصايا" ("قسّى الله قلب فرعون").

سفر الخروج ليس بمثال فريد حيث الرّب يتصرّف بهذه الطريقة. عندما وصل شعب إسرائيل الى أرض سِيحُونَ مَلِكَ حَشْبُونَ، أرسل موسى رُسُلاً " بِكَلاَمِ سَلاَمٍ قَائِلاً: أَمُرُّ فِي أَرْضِكَ. أَسْلُكُ الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ، لاَ أَمِيلُ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً" (تثنية 2: 26 – 27). ومع إنّ هذا الطلب كان بنبغي أن يحث سِيحُونُ على معاملة بني إسرائيل باحترام، ذلك لأن الله شاء لشعبه أن يتبارك وليس لأن يتعرّض للهجوم، لكِنْ "لَمْ يَشَأْ سِيحُونُ مَلِكُ حَشْبُونَ أَنْ يَدَعَنَا نَمُرَّ بِهِ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَسَّى رُوحَهُ، وَقَوَّى قَلْبَهُ لِكَيْ يَدْفَعَهُ إِلَى يَدِكَ كَمَا فِي هذَا الْيَوْم" ( الخروج 2: 30). وبعبارة أخرى كانت مشيئة الله (بمعنى ما) بأن يتصرّف سِيحُونَ بطريقة مغايرة لمشيئة الله (بمعنى آخر) ليتبارك بني إسرائيل لا أن يُلعنوا.

كذلك أيضاً إخضاع بلاد الكنعانيين حصل لأن الله شاء أن ملوك تلك الأرض يُقاوموا يشوع على أن يعقدوا معه معاهدة سلام. " فَعَمِلَ يَشُوعُ حَرْبًا مَعَ أُولئِكَ الْمُلُوكِ أَيَّامًا كَثِيرَةً. لَمْ تَكُنْ مَدِينَةٌ صَالَحَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ الْحِوِّيِّينَ سُكَّانَ جِبْعُونَ، بَلْ أَخَذُوا الْجَمِيعَ بِالْحَرْبِ . لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ يُشَدِّدَ قُلُوبَهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا إِسْرَائِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ فَيُحَرَّمُوا ، فَلاَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ رَأْفَةٌ، بَلْ يُبَادُونَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى" (يشوع 11: 18 – 20). وعلى ضوء ذلك، فإنّه من الصعب تخيّل ما كان يقصده Fritz Guy عندما قال بأنّه علينا دائماً التفكير بأنّ " إرادة الله" تمكن في نيّته وحنينه الشامل وليس في قصده السيّادي الفعّال. وما يبدو أكثر وضوحاً هو أنّه عندما يحين وقت الحكم يشاء الله بأن يقوم المذنب بأشياء ضد مشيئته المعلنة، مثل لعن شعب إسرائيل عوضاً عن مباركته.

عمل التصلّب من الله لم يقتصر على الغير الإسرائيليين. في الواقع، فهذا العمل يلعب دوراً رئيسياً في حياة شعب إسرائيل في هذه الحقبة من التاريخ. ففي رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 11: 7 - 8 يتكلم بولس عن فشل شعب إسرائيل في الحصول على البر والخلاص المنشود:" مَا يَطْلُبُهُ إِسْرَائِيلُ ذلِكَ لَمْ يَنَلْهُ. وَلكِنِ الْمُخْتَارُونَ نَالُوهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: "أَعْطَاهُمُ اللهُ رُوحَ سُبَاتٍ، وَعُيُونًا حَتَّى لاَ يُبْصِرُوا، وَآذَانًا حَتَّى لاَ يَسْمَعُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ". ومع أن الله امر شعبه بأن يرى ويسمع ويستجيب بالإيمان (إشعياء 42: 18)، غير أن للرب أسبابه لبعثه روح السبات في بعض ألأحيان كي يرفض البعض إطاعة أمره.

أوضح يسوع هذه الحقيقة عندما فسّر لتلاميذه بأنّ أحد ألاهداف الكلام بالأمثال مع اليهود في أيامه كان لِيُنزل هذا الحكم بالعمى والسبات. ففي إنجيل مرقس 4: 11 – 12 يقول لتلاميذه، " قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلاَ يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَامِعِينَ وَلاَ يَفْهَمُوا، لِئَلاَّ يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ." هنا أيضاً شاء الله أن تسود حالة ما التي يعتبرها تستحق الملامة أو التوبيخ. مشيئته كانت أن يتوبوا وتغفر لهم خطاياهم (إنجيل مرقس 1: 15)، ولكنّه تصرّف بطريقة تُقيّيد أو تحول دون تنفيذ هذه الإرادة أو المشيئة.

الرسول بولس يُصوّر هذه القساوة الإلهيّة كجزء من الخطة الشاملة التي تشمل خلاص اليهود وجميع الأمم. في رسالة بولس الرسول الى اهل رومية 11: 25 – 26 يقول لقرّائه من الأمم،"فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ: أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ، وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ." الحقيقة بأن القساوة هذه لها نهاية معينة —" إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَم" — تدل على أنّها من من ضمن خطة الله وليست مجرّد حدث مشروط خارج هدف أو مشيئة الله. ومع ذلك يُعبّر بولس ليس فقط عن ما يكنّه في قلبه بل أيضا عن ما في قلب الله عندما يقول في رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 10: 1،" إِنَّ مَسَرَّةَ قَلْبِي وَطَلْبَتِي إِلَى اللهِ لأَجْلِ إِسْرَائِيلَ هِيَ لِلْخَلاَصِ." يبسط الله يديه الى شعب معاند ومقاوم (رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 10: 21)، ولكنّه يأمر بالتصلب أو القسّوة التي تدفعهم لبعض الوقت الى العصيان.

هذا هو مغزى رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 11: 31- 32. تكلّم الرسول بولس الى مستمعيه من الأمم ثانيةً عن عدم طاعة بني إسرائيل ورفضهم لمسيحهم:" هكَذَاهؤُلاَءِ (بني إسرائيل) أَيْضًا الآنَ، لَمْ يُطِيعُوا لِكَيْ يُرْحَمُوا هُمْ أَيْضًا بِرَحْمَتِكُمْ (الأمم). لأَنَّ اللهَ أَغْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ مَعًا فِي الْعِصْيَانِ، لِكَيْ يَرْحَمَ الْجَمِيعَ." عندما يقول بولس بأنّ بني إسرائيل لم يطيعوا "لكي" تستفيدالأمم من بشارة الإنجيل، هدف أو مشيئة من كان يقصد من كلامه هذ؟ لا يمكن أن تكون إلاّ مشيئة الله. لأن بني إسرائيل لم ينظروا الى رفضهم هذا كوسيلة لمباركة الأمم أو للحصول على الرحمة لأنفسهم بهذه الطريقة الملتوية/ الغير مباشرة. لذلك، المغزى من رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 11: 31 هو أن تصلّب الله لقلوب بني إسرائيل ليس الغاية بحد ذاتها، بل كان جزاءً من مشيئته الخلاصيّة التي ستشمل جميع البشر. ولكن على المدى القريب علينا القول بأنّ الله شاء حالة ما (فسّوة القلب) التي أمر الشعب بأن يعملوا جاهدين على تجنبها (" لا تقسّوا قلوبكم!") (رسالة الى العبرانيين 3: 8، 15؛ 4: 7).

حق الله في كبح جماح الشر وإرادته بعدم القيام بذلك

وتوجه آخر في أدلة الكتاب المقدس التي تقول بأنّ الله في بعض الأحيان يشاء حصول أمر ما الذي يرفض هو اختياره استعمال أم عدم الإستعمال حقّه في كبح جماح الشر في الإنسان.

الأمثال 21: 1 يقول، " قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ، حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ ." مثالاً على هذا الحق الإلهي على قلب الملك موجود في سفر التكوين 20. إبراهيم يُقيم في جرار ويقول لملكها أبيمالك بأنّ سارة هي إخته. وهكذا أخذها أبيمالك لتصبح واحدة من حريمه. ولكن هذا أثار غضب الله وأتاه في الحلم منبهاً إيّاه بأن سارة هي زوجة إبراهيم.ولكن احتج أبيمالك امام الله قائلاً بسلامة قلبه ونقاوة يده فعل ذلك.ويقول الله (في عدد 6)، "أَنَا أَيْضًا عَلِمْتُ أَنَّكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبِكَ فَعَلْتَ هذَا. وَ أَنَا أَيْضًا أَمْسَكْتُكَ عَنْ أَنْ تُخْطِئَ إِلَيَّ، لِذلِكَ لَمْ أَدَعْكَ تَمَسُّهَا ."

من الواضح هنا بأن الله لديه الحق والسلطة لكبح جماح خطايا الحكّام العلمانيين. وعندما يفعل هذا، يكون قد شاء ذلك، ويرفض فعل هذا عندما يشاء أيضاً. أي القول بأنّه في بعض الأحيان يشاء الله بأن يكبح جماح خطاياهم وأحياناً يشاء أن تتزايد الى اكثر مما لو أنّه كبح جماحهم.

إنّه ليس تعدّياً ظالم على مؤسسة الإنسان بأن يكون للخالق الحق والسلطان لكبح عمل الشر في مخلوقاته. مزامير 33: 10 – 11 يقول، "الرَّبُّ أَبْطَلَ مُؤَامَرَةَ الأُمَمِ. لاَشَى أَفْكَارَ الشُّعُوبِ. أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ." في بعض الأحيان يُحبط الله إرادة الحكام وذلك بإفشال خططهم. وأحياناً يفعل هذا، من دون علمهم، من خلال التأثير على قلوبهم كما فعل مع إبيمالك..

ولكن هناك أوقاتاً لم يستعمل الله هذا الحق لأنّه شاء لشر/ لفساد الإنسان أن يأخذ مجراه. مثلاً، قصد الله بأن يُميت أبناء عَالِي. لذلك، شاء بأن يرفضوا السماع لنصيحة أبيهم:" وَشَاخَ عَالِي جِدًّا، وَسَمِعَ بِكُلِّ مَا عَمِلَهُ بَنُوهُ بِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَبِأَنَّهُمْ كَانُوا يُضَاجِعُونَ النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ فِي بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ الأُمُورِ؟ لأَنِّي أَسْمَعُ بِأُمُورِكُمُ الْخَبِيثَةِ مِنْ جَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ. لاَ يَا بَنِيَّ، لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَنًا الْخَبَرُ الَّذِي أَسْمَعُ. تَجْعَلُونَ شَعْبَ الرَّبِّ يَتَعَدُّونَ. إِذَا أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى إِنْسَانٍ يَدِينُهُ اللهُ. فَإِنْ أَخْطَأَ إِنْسَانٌ إِلَى الرَّبِّ فَمَنْ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِهِ؟» وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ أَبِيهِمْ لأَنَّ الرَّبَّ شَاءَ أَنْ يُمِيتَهُمْ " (صموئيل الأول 2: 22 – 25).

لماذا لم يصغِ أبناء عَالِي لنصيحة أبيهم الصالحة؟ الجواب موجود في النص " لأن الرَّبَّ شَاءَ أَنْ يُمِيتَهُمْ." هذا يبدو مقبولاً فقط إذا كان للرب الحق والسلّطان لكبح عصيانهم —حق وسلّطان اللذان شاء أن لا يستعملهما.لذا، يجب علينا القول بأنّه بمعنى ما أراد الله بأنّ يمضِ أبناء عَالِي بما أمرهم بأن لا يفعلوه: إهانة والدهم وارتكاب الفجور / الفسوق الجنسي.

بالإضافة الى ذلك، فكلمة " أسرّ" في الجملة " الرَّبَّ أسرّ أَنْ يُمِيتَهُمْ," هي ذاتها في العبرانيّة (haphez) التي أُستعملت في حزقيال 18: 23، و 33: 11 حيث أكّد الله بأنّه لا يسرّ بموت الشرير. تاق/شاء الله بأن يُميت أبناء عَالِي، ولكنّه لم يشاء / يُسر بموت الشرير. هذا تحذير قوي لنا بعدم اتخاذ أحدى التأكيدات مثل حزقيال 18: 23 ونفترض بأننا نعلم المعنى الدقيق من دون الأخذ بعين الإعتبار أيات كتابيّة أخرى مثل صموئيل الأول 2: 25. والنتيجة الحتميّة لدمج الإثنان معاً هو أن بمعنى ما يمكن للرب بأن يشاء / يُسر بموت الشرير وبمعنى آخر يرفضه.

ومثالاً آخر لعدم اختيار الرّب استعمال حقّه في كبح الشر نقرأه في رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 1: 24- 28 حيث ردد بولس الرسول ثلاث مرّات عبارة أسلمهم الله (paredoken) ليغرقوا أكثر في الفساد. عدد 24: "لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ." عدد 26: "لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ." عدد 28: "وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ." للرّب الحق والسلطان لكبح هذا الشر كما فعل مع إبيمالك. ولكنّه لم يشأ / يرد ذلك. في الواقع مشيئته في هذه الحالة كانت للعِقاب، وجزء من العقاب الله على فعل الشر كان احياناً مشيئته أن يتكاثر الشر. ولكن هذا يعني بأن الله يشاء حدوث أمر ما ذاك الذي أمر بأن لا يحدث. والحقيقة بأن مشيئة الله هي عقائبيّة، لا يغير من ذلك. وبالواقع، كونها لبرّرة لأن تكون عقائبيّة هو إحد النقاط التي يتكلّم عنها هذا الفصل. يمكننا إعطاء أمثلة أخرى على هذا، ولكننا سننتقل الى نوع آخر من الأدلّة.

هل يُسرّ الله بمعاقبة الشرير؟

قد رأينا للتو بأنّ الله "أسرّ" بأن يُميت ابناء عَالِي، وان لكلمة أسرّ ذات المدلول الذي أُستعمل في حزقيال 18: 23 عندما يقول الرّب بأنّه لا "يسرّ" بموت الشرير. ونجد مثالاً آخر على هذه المسرّة المُعّقدة في سفر تثنية 28: 63 حيث نرى موسى يُحذّر شعب إسرائيل الغير التائب من العقاب الآتي. ما يقوله مختلف بشكل لافت للنظر ( وإنني أسلم جدلاً بأنّه ليس مُعاكساً) عن ما جاء في حزقيال 18: 23. " وَكَمَا فَرِحَ الرَّبُّ لَكُمْ لِيُحْسِنَ إِلَيْكُمْ وَيُكَثِّرَكُمْ، كَذلِكَ يَفْرَحُ الرَّبُّ لَكُمْ لِيُفْنِيَكُمْ وَيُهْلِكَكُمْ ."

وهنا يتم استخدام كلمة أقوى للدلالة على الفرح (yasis) عندما نقرأ في الكتب بأنه سوف "يَفْرَحُ الرَّبُّ لَكُمْ لِيُفْنِيَكُمْ وَيُهْلِكَكُمْ." نحن نواجه حقيقة كتابيّة لا مفر منها بأنّه بمعنى ما لا يُسرّ الله بموت الشرير (حزقيال 18)، وبمعنى آخر هو يُسرّ (تثنية 28: 63؛ صموئيل الثاني 2: 25).

ما مدى شموليّة مشيئة الله السياديّة؟

وراء هذه العلاقة المعقّدة ما بين إرادتا الله فرضيّة الكتاب المقدس التأسيسيّة القائلة بأنّ الله هو بالفعل / حقاً سيادي ذا سلطان يجعله حاكماً على كل الأمور. حاول R.T. Forster و V.P. Marston الحد من المُفارقة الموجودة ما بين مشيئة رسم الوصايا والمشيئة الآمرة بتأكيدهما بأنّه لا يوجد شيء من هذا القبيل يدل على مشيئة الله السياديّة الآمرة: "لا شيء في الكتاب المقدس يُشير على أن هناك نوعاً من إرادة الله أو خطة ما لا يجوز إنتهاكها." إن هذا للإدّعاء استثنائي. من دون الإدعاء بأنّ هذا الموضوع قد استنزف، فإنّه من المنطق أن نتوقف على بعض الآيات الكتابيّة بشكل موجز. هذه الآيات بالفعل "تُشير على أنّه هناك نوعاً من المشيئة أو الخطة في الله لا يجوز إنتهاكها."

هناك نصوص التي تنسب الى الله السيطرة النهائيّة على المصائب والكوارث الناجمة عن الطبيعة أو عن الإنسان. عاموس 3: 6،"أَمْ يُضْرَبُ بِالْبُوقِ فِي مَدِينَةٍ وَالشَّعْبُ لاَ يَرْتَعِدُ؟ هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟" إشعياء 45: 6 – 7، "أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ.." مراثي إرميا 3: 37 – 38، "مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟ مِنْ فَمِ الْعَلِيِّ أَلاَ تَخْرُجُ الشُّرُورُ وَالْخَيْرُ؟" الجدير بالملاحظة بأنّ الكوارث التي ذُكرت في هذه النصوص شملت على أعمال لإنسان العدائيّة والوحشيّة التي لا يوافق / لا يرضى بها الله ولكنّه شاء أن تحصل.

كتب الرسول بولس عن تدخّل الله في معاناة شعبه على يد خصومهم. في رسالته الأولى تكلّم عن ابعاد "الإرادتين في الله". من جهة ، إنّها لشيء يجب الترقّي والتوق إليه. "لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ : أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ"( رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 15). "لِكَيْ لاَ يَعِيشَ أَيْضًا الزَّمَانَ الْبَاقِيَ فِي الْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ النَّاسِ، بَلْ لإِرَادَةِ اللهِ " (رسالة بطرس الرسول الأولى 4: 2). ومن جهة ثانية، مشيئة الله لم تكن تعاليمه الإخلاقيّة/ أدبيّة، بل أنّها السلّطة والسيادة الآمرة بحدوث هذه الأمور. "لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ ، وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْرًا، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرًّا" (3: 17). "فَإِذًا، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ الله ِ، فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا لِخَالِق أَمِينٍ،فِي عَمَلِ الْخَيْرِ" (4: 19). وفي هذا السياق، المعناة التي تكلّم عنها الرسول بطرس هي المعاناة التي تأتي من أُناس مُعاديين وبالتالي لا يمكن أن تحدث من دون خطيئة.

في الواقع، قديسيّ العهد الجديد بدوا وكأنّهم يعيشون في ظل ضوء الهاديء لسيادة الله الشاملة فيما يتعلّق بكل تفاصيل حياتهم ورسالتهم. هكذا عبّر بولس عن نفسه عندما تكلّم عن برنامج سفره. قال وهو يُودّع الإخوة في أفسس، "وَلكِنْ سَأَرْجِعُ إِلَيْكُمْ أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللهُ " (أعمال الرسل 18: 21). والى أهل كورنثيوس كتب، "وَلكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعًا إِنْ شَاءَ الرَّبُّ " (رسالة بولس الرسول الأولى الى أهل كورنثوس 4: 19). وايضاً، "لأَنِّي لَسْتُ أُرِيدُ الآنَ أَنْ أَرَاكُمْ فِي الْعُبُورِ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكُمْ زَمَانًا إِنْ أَذِنَ الرَّبُّ " (رسالة بولس الرسول الأولى الى أهل كورنثوس 16: 7).

كاتب الرسالة الى العبرانيين يقول بأنّه عقد النيّة بترك بداءة المسيح والتقدّم الى الكمال. وبعد هنينة يضيف، "وَهذَا سَنَفْعَلُهُ إِنْ أَذِنَ اللهُ " (6: 3). هذا لشيء رائع لأنّه من الصعب حتى تصوّر أن أحدهم يمكن أن يُفكّر بأنّ الرب قد لا يسمح بهذا الشيء إلاّ إذا كان هذا الشخص يتمتّع برؤية سامية عن صلاحيات الرّب السياديّة.

يُحذّر يعقوب من مغبّة الإفتخار في تعظيم لأبسط الأمور الحياتيّة من دون التسليم بسيادة الرّب الشاملة لأن الله يمكن أن يشاء ويقرر بقطع هذه المسيرة اليوميّة ويسترجع الحياة التي منح. فعوضاً من أن تقولوا: "غداً سنفعل هذا أو ذاك .... يجب أَنْ تَقُولُوا:«إِنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ»"( رسالة يعقوب 4: 15). لذلك، عندما لم يستطع الإخوة في قيصريّة أن يقنعوا بولس بعدم المخاطرة بالذهاب الى أورشليم "سَكَتْنَا قَائِلِينَ:«لِتَكُنْ مَشِيئَةُ الرَّبِّ »"( لأعمال الرسل 21: 14). الرّب هو من يُقرر إذا ما كان بولس سيُقتل أم لا، كما قال يعقوب.

إنّ هذه الدلالة على العيش تحت رعاية يد الله بأدقّ تفاصيل حياتنا ليس بالشيء الجديد للمسيحييّن الأوائل. فقد عرفوا ذلك من خلال تاريخ بني إسرائيل بأكمله، خاصة ما ورد في كتب الحكمة. "لِلإِنْسَانِ تَدَابِيرُ الْقَلْبِ، وَمِنَ الرَّبِّ جَوَابُ اللِّسَانِ" (أمثال 16: 1). "قَلْبُ الإِنْسَانِ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ يَهْدِي خَطْوَتَهُ" (أمثال 16: 9). "فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ أَفْكَارٌ كَثِيرَةٌ، لكِنْ مَشُورَةُ الرَّبِّ هِيَ تَثْبُتُ" (أمثال 19: 21). "الْقُرْعَةُ تُلْقَى فِي الْحِضْنِ، وَمِنَ الرَّبِّ كُلُّ حُكْمِهَا" (أمثال 16: 33). "عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ" (إرميا 10: 23). لم يُعارض يسوع فكرة العيش في كنف الرّب، بل أكّد هذه الفكرة بكلماته بحسب ما جاء في إنجيل متّى 10: 29،"أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ."

هذه الثقة بأنّ تفاصيل حياتنا هي دوماّ تحت سيطرة الرّب مصدرها العديد من الأيات النبويّة عن مشيئة الله السيّاديّة الشاملة الغير محدودة التي لا يعصى عليها شيء. "اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلهُ وَلَيْسَ مِثْلِي مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي " (إشغّيا 46: 9 – 10؛ قارن ڊ 43: 13). "وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ، وَ هُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: «مَاذَا تَفْعَلُ ؟»" (دانيال 4: 35). "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ " (أيّوب 42: 2). "إِنَّ إِلهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ" ( المزامير 115: 3).

أحدى أروع الدلائل على هذه الثقة بمشيئة الله السياديّة المنيعة هي أنّها تزودّنا أم تُوفر لنا أساس "العهد/الميثاق الجديد" بالأمل في القداسة التي من دونها لا يمكننا رُؤية الرّب ( الرسالة الى العبرانيين 12: 14). في الميثاق القديم كُتِب قانون الله على الحجر، وجلب الموت عندما إصطدم بمقاومة القلوب المتحجّرة ، الغير مُتجدّدة. ولكن وعد العهد/الميثاق الجديد هو أنّ الرّب لن يسمح لمشيئته بوجود شعب تقيّ بأن يتحطّم على ضعف ألإرادة البشريّة. بل يعد الله بالقيام بما يجب القيام به لنصبح ما علينا أن نكون. "وَيَخْتِنُ الرَّبُّ إِلهُكَ قَلْبَكَ وَقَلْبَ نَسْلِكَ، لِكَيْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ لِتَحْيَا" (تثنيّة 30: 6). "وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا" ( حزقيال 36: 27). "وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا أَنِّي لاَ أَرْجِعُ عَنْهُمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ، وَأَجْعَلُ مَخَافَتِي فِي قُلُوبِهِمْ فَلاَ يَحِيدُونَ عَنِّي" (إرميا 32: 40). "تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ ) (رسالة بولس الرسول الى أهل فيلبي 2: 12 – 13).

وعلى ضوء كل هذه النصوص لا أزال أجهل ما قد عنى Forster و Marston بقولهم، " لا شيء في الكتب يُشير على وجود نوع ما من مشيئئة أو خطة للرب منيعة." كما أنني لا أستطيع أن أفهم كيف يقدر Fritz Guy أن يقول يأنّ "مشيئة/مسرّة الله" هي دائماً رغبة ما أو نيّة ما وليست مشيئة فعّالة سياديّة. بالواقع, الكتب تقودنا تكراراً الى التأكيد بأنّه في بعض الأحيان تُأخذ مشيئة/ مسرّة كتعبير للقيم الله والمعاير الإخلاقيّة التي وضعها الله ليسلك فيها الإنسان، وأحياناً أخرى كتعبير عن سلطته السياديّة حتى على الأفعال التي تتناقض مع ذاك المعيار.

هذا يعني أن التميّز بين المصطلحات مثل "مشيئة رسم الوصايا" و "مشيئة ألآمرة" أو "المشيئة السياديّة (المتسلّطة) و "المشيئة الأدبيّة ليس بتميز مصطلح طالبت به النظريّة الكالڤينيّة (Calvinistic theology) . المصطلحات هي محاولة لوصف وحي الكتاب المقدّس باجمعه.إنّها مُحاولة قول "نعم" لكل الكتاب المقدّس وليس إسكات ايّ جزء منه.إنّها طريقة لقول "نعم"لمشيئة الله لخلاص لجميع البشر كما ورد في رسالة بولس الرسول الأولى الى أهل تيموثاوس 2: 4 و "نعم" للإختيار الفردي الغير مشروط كما جاء في رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 9: 6 – 23.

هل لهذا أيّ معنى؟

أنتقل الآن الى مهمة التفكير كيف يمكن للإرادتين في الله أن تتوافق معاً ليصبح لهما معنى—بقدر ما يستطيع هذا المخلوق المحدود والغير معصوم عن الخطأ أن برتفع الى مستوى ذاك التحدّي.

أول شيء يجب أن نؤكده على ضوء هذه النصوص هو أن الله معصوم عن أي خطأ / أثم. "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ" (إشعيا 6: 3). "لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا" (رسالة يعقوب 1: 13). الرّب لا يخطىء بترتيبه للأمور وإن تضمنت أفعال خاطئة / أثيمة. فكما يقول Jonathan Edwards "إفتراضنا بأنّ عملاً ما قد يكون فعل شر ومع ذلك هو أمر جيد، ولا يدل على أي تناقض في الله، وإنّ حصوله قد يكون دلالة على أمر جيد حسن... . فمثلاً، قد يكون فعل صلب المسيح فعل شرير أثيم، ومع ذلك حدوث فعل الصلب هذا لأمر جيد وحسن." بمعنى آخر، الكتاب المقدّس يقودنا الى أن نتعمّق بالفكرة القائلة بأنه باستطاعة الله أن يشاء حدوث أمر ما أثيم من دون أن يشاء أن يقتضي هذا الفعل خطيئة.

يشير Edwards الى أنه على ال Arminians أن ينتهوا الى النتيجة ذاتها.

يجب أن يعترف الكل بأنّه في بعض الأحيان يشاء الله بأن لا يُعيق خرق أوامره الخاصة، لأنّه بالواقع لا يُعيقها فعليّاً... ولكن من الممكن القول، يشاء الله بأن يسمح بالخطيئة كما يشاء أن يترك الحريّة لمخلوقه؛ وإذا كان عليه أن يُعيق الفعل، يُدخل العنف بطبيعة مخلوقه. جوابي هو التالي، هذا يتوافق مع الأشياء التي تكلّمت عنها. انتم تقولون: الله لا يشأ الخطيئة على الإطلاق؛ ولكن عوضاً عن تغيير قانون الطبيعة وطبيعة ممثليه الأحرار، هو يشاءه. هو يشاء ما هو مُناقض للميزة في بعض التفاصيل من أجل تعميم اسمى ومن أجل النظام. لذا ما يدعو به ال Arminians لا يُساعد هذه المسألة.

هذا يبدو لي صحيحاّ، ويمكن أن نوضّح هذا مرّة أخرى من خلال التفكير مباشرة برسالة بولس الرسول الأولى الى تيموثاوس 2: 4 حيث يقول بولس أن الله يشاء الجميع أن يخلص. فبماذا علينا أن نُعلّق على الحقيقة القائلة بأنّ الله يشاء أمر ما لا يُريده أن يحدث. إنني أرى احتمالين:الأول بان هناك قوة في الكون أقوى وأعظم من القوة الإلهيّة، وإنّ هذه القوة تُسبب للرّب الخيبة والإحباط عندما تنقض ما يامر به أو يشاءه. لا Calvinist ولا Arminian يؤكدا ذلك.

والإحتمال الآخر هو أن الله لا يشأ الخلاص للجميع، مع أنّه يشاء أن يخلص الجميع، لأنّه يوجد شيء آخر يشاءه أكثر، والذي يمكن أن يخسره إذا بذل سلطته السياديّة ليُخلّص الجميع. بما أنني Calvinist إنني أقرّ وأؤكد هذا الحل كما يقرّه ال Arminians. بمعنى آخر، ال Calvinists و Arminians يُقرّا بوجود إرادتين في الله عندما يتأملا ملياً في ما جاء في رسالة بولس الرسول الأولى الى تيموثاوس 2: 4. يمكنهما القول بأنّ الله يشاء للجميع أن يخلص. ولكن عندما يطرح عليهما السؤال لماذا لم يتم خلاص للجميع، يُجاوبا بأنّ الله ملتزم بشيء قيّم أكثر من إنقاذ / خلاص جميع البشر.

والفرق بين الCalvinists و الArminians لا يكمن في ما إذا كان هناك إرادتان في الله، ولكن في ما يقولانه عن هذا الإلتزام الأسمى / الأعلى. ما يشاء الله أكثر من ان الجميع يخلص؟ الجواب الذي أعطاه ال Arminians هو ان تقرير الإنسان لمصيره والذي يمكن أن ينجم عن علاقة حب مع الله التي هي أثمن وأكثر اهميّة من إنقاذ جيع البشر بالنعمة الفعّالة السياديّة. الجواب الذي يقدّمه الCalvinists هو أن القيمة الأكبر هي في إظهار النطاق الشامل لمجد الله في الغضب والرحمة معاً (رسالة بولس الرسول الى اهل رومية 9: 22- 23) وتواضع الإنسان لكي يفتخر بنعمة الله بالخلاص (رسالة بولس الرسول الأولى الى أهل كورنثوس1: 29).

إنّه لإمر بالغ الأهميّة يجب علينا تبيانه لدلالته بأنّ رسالة بولس الرسول الأولى الى تيموثاوس 2: 4 لا تعطِ حلاً لهذه المسألة البالغة الأهميّة عن التزام الله الأعلى أو أسمى الذي يحول دون إنقاذ الله لجميع البشر. لا يوجد هنا أيّ ذكر للإرادة الحرّة، ولا للنعمة الفعّالة السياديّة. إذا اقتصرت معرفتنا على هذا النص، لكنّا افترضنا / خمّنا ما هو العائق الذي يمنع الله من إنقاذ الجميع؛ وهذا عندما نعتبر أن ألإرادة الحرّة التي ذُكرت في هذه الآية إفتراضاً فلسفي تجريدي وليس استنتاج تفسيري بحسب ما جاء في الكتاب. الإفتراض هو أنّه إذا الله شاء في معنى ما بأن يخلص الجميع، فهو إذاً لا يقدر في معنى آخر ان يشاء أن يخلص البعض فقط. هذا الإفتراض لاينص عليه هذا النص، كما أنّ المنطق لا يُطالب به ، ولا يُدرّس في النصوص الكتابيّة. لذلك، رسالة بولس الرسول الأولى الى تيموثاوس 2: 4 لا تُعتبر حلاً أو جواباً لهذه المسألة، بل إنّها تخلقها. على الArminians و الCalvinists أن يبحثوا في مكان آخر عن الجواب حول إذا ما هبة الإنسان الحرة لتقرير مصيره أو إذا ما مجد السيادة الإلهيّة هو الواقع أو الحقيقة التي تُعيق الله من أن يشاء أن ينقذ جميع البشر.

الCalvinists ، الذين أكنّ لهم الإعجاب، لا يدّعوا بأنّ لديهم حلولاً بسيطة وسهلة لإجتهادات الكتاب المقدّس المعقّدة. عندما تكون كتاباتهم صعبة يكون هذا لأنّ النصوص الكتابية صعبة (قد أقرّ بطرس بأنّها لحد ما هي كذلك وذلك في رسالة بطرس الثانية 3: 16). هؤلاء الCalvinists يناضلون ليبقوا أوفياء للنصوص الكتابيّة المتنوعة (الغير متناقضة). في بعض الأحيان، يشعر الCalvinists و الArminians بأنّ السخرية الموجهة ضد شروحاتهم المعقدة هي بالفعل سخرية ضد التعقيد في النصوص الكتابيّة.

إنني اجد إجتهاد Stephen Charnock (1628 – 1680) قسيس الخاص ل Henry Cromwell وقسيس الغير الملتزم في لندن، متوازن ومفيد في الحفاظ على تنوّع في النصوص الكتابيّة حول إرادة الله.

لايأمر / يشأ الله (الخطيئة) مباشرة ولا بفعل مشيئته الفعّالة. هو لا يشأ ذلك مباشرة لأنّه حرّمها في قانونه، الذي به نكتشف إرادته؛ لذا، إذا كان عليه ان يشأ الخطيئة مباشرة، ومباشرة يمنعها، فهو سيشأ الصالح والأثيم/ الشرير بنفس الطريقة، وهذا يدل على تناقضات في إرادة الله: إن شاء الخطيئة بالمطلق يعني أن عليه أن يصنعها ( مزمور 115: 3) "إِنَّ إِلهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَع." لا يستطيع الله أن يشأ الخطيئة بالمطلق، لأنّه لا يمكنه صنعها، يشاء الله الجيد بمرسوم إيجابي لأنّه قد قضى بحدوث ذلك.هو يشاء الشر بمرسوم إفرادي، لأنّه أقرّ أن لا يمنح تلك النعمة اللتي من شانها بالتأكيد منع ذلك. لا يشأ الله الخطيئة بهذه السهولة والبساطة، لأنّ هذا يعني بأنّه يُحبذها، ومع ذلك هو يشاءها من اجل الشيء الجيد الذي ستظهره حكمته عبر هذا الفعل. هو لا يشأ الخطيئة من أجل ذاتها، بل من أجل الحدث.

وكذلك Jonathan Edwards في كتاباته من بعد 80 سنة، وصل الى الإستنتجات مماثلة ولكن باستخدام مصطلحات مختلفة نوعاً ما.

عندما نُميّز بين مشيئة الله المعلنة ومشيئته السرية، أو بين مشيئته الآمرة ومشيئة رسم الوصايا، يكون هناك معنيين لذلك التميزفي كلمة "مشيئة". مشيئته لرسم الوصايا ليست ذات المشيئة وليست ذات المعنى لمشيئة الآمرة. ولذلك، ليس هناك من صعوبة على الإطلاق أن نفترض بأنّ لأحدها صورة مختلفة عن الأخرى: الإرادتين في الله وبمعناها هي دلالة على ميوله. ولكن عندما نقول هو يشاء الفضيلة، أو أنّه يحب الفضيلة، أو سعادة خليقته؛ بالتالي فهو يقصد بأن الفضيلة أو سعادة المخلوق هي ببساطة من دون أدنى شك موافقة لنزعة طبيعتة.

مشيئة رسم الوصايا هي ميله الى شيء ما، ببساطة وقطعياً ليس لذاك الشيء بحد ذاته، بل فيما يتعلّق بشمولية الأشياء التي كانت أو تلك التي سوف تكون. إذاً الله، على الرغم من كرهه للشيء كما هو ببساطة، يمكن أن يميل إليه بحسب موقعه من شموليّة الأمور. ومع أنّه يكره الخطيئة بحد ذاتها، لكنّه قد يشاء السماح بها، من أجل الترفع الى قداسة أسمى ضمن هذه الشموليّة والتي تتضمن كل الأشياء، وفي كل الأوقات. لذا، مع إن ليس عند الله الرغبة على الإطلاق بالتسبب بالبؤس لمخلوقاته، مع ذلك قد يشاءه، من اجل إرتقاء اسمى للسعادة في شموليتها.

ولتفسير هذا بكلماتي، فإني أقول بأن Edwards قال بأن التعقيد الغير محدود للعقل الإلهيّ هو أن ادى الله المقدرة على النظر الى العالم بواسطة عدستين. يمكنه النظر من خلال عدسة ضيّقة أو بواسطة عدسة ذا زاوية عريضة. عندما ينظر الله الى حدث مؤلم أو شرير من خلال العدسة الضيّقة، فهو يرى المأساة أو الخطيئة على ما هي عليه في حد ذاتها، فيغضب ويحزن. "لأَنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ" (حزقيال 18: 32). ولكن عندما ينظر الله الى حدث مؤلم او شرير من خلال عدسة ذا الزاوية الواسعة، يرى المأساة أو الخطيئة بالنسبة الى الأشياء التي من شأنها أن تؤدي الى الخطيئة وبالنسبة الى كل شيء يتدفق منها. يرى كل الأمور بمجمل روابطها وتأثيراتها التي تؤلف نمطاً أو فسيفساء يمتد الى الأبديّة. والله يفرح/ يُسرّ بهذه الفسيفساء بكا ابعادها ( الجيدة والعاطلة) (مزمور 115: 3).

حياة الله العاطفيّة المعقّدة لأبعد حدود خارج نطاق ومقدرتنا على الإستيعابها بشكل كامل. فمثلاً، من بمقدوره أن يفهم بأن للرب المقدرة ان يسمع، في لحظة واحدة من الزمن، صلاة عشرة ملايين من المسيحيّين في جميع أنحاء العالم، وأن يتعاطف / يرثي مع كل فرد منهم شخصيّاً وبشكل فردي، تماما مثل أب حنون (كما يقول في الرسالة الى العبرانيين 4: 15)، مع إن من ضمن العشرة ملايين صلاة هناك أفراد مكسوري القلب والبعض الآخر يطفح قلبهم بالفرح؟ كيف يمكن الرب ان يبك مع الباكين وأن يفرح مع هؤلاء الذين يفرحون عندما يكون الإثنان يصلّون إليه في نفس الوقت —في الواقع هم دائماًيقصدونه من دون أي ملل أو استراحة؟

او من باستطاعته أن يستوعب كليّا سخط الله على خطيئة العالم كل يوم (مزمور 7: 11)، ومع ذلك كل يوم، وكل لحظة، يبتهج بفرح عظيم لأنّه في بقعة ما في العالم هناك خاطىء يتوب (إنجيل لوقا 15: 7 ، 10 ، 23)؟ من باستطاعته أن يستوعب بأن الله يتأجج غضباً ضد تمرد الأشرار، ويحزن عند سماعه كلام شعبه الرديّ ( رسالة بولس الرسول الى اهل أفسس 4: 29 – 30)، ومع ذلك يبتهج بهم يومياً (مزمور 149: 4)، ومن دون توقف يبتهج بعودة الضالون التائبون الى حضنه؟

من منّا يقدر أن يُعدد ما هي الأحاسيس المعقّدة التي تعصى على الرب؟ كل ما نرتكز عليه هنا هو ما اختار ان يقوله لنا في الكتاب المقدس. ومن ضمن ما قاله هو أن هناك معنى ما لا يختبر فيه المتعة في الحكم على الأشرار، وهناك معنى ما الذي يُسرّ به.

لذلك لا ينبغي أن نتعثّر بالحقيقة القائلة بأنّ الله يُسرّ ولا يُسرّ في آن معاً بموت الأشرار. عندما حذّر موسى بني إسرائيل بأن الر سيفرح بجلب الخراب والقضاء عليهم إذا لم يتوبوا (تثنية 28: 63)، كان يعني بأنّ هؤلاء الذين تمرّدوا على الرب وأصبحوا بعيدين عن التوبة لن يكن باستطاعتهم أن يُفاخروا بانهم استطاعوا جعل العلي حزيناً. لا يُهزم الرب في بانتصارات حكمه البار العادل. بل العكس. يقول موسى بأنّه عندما يُحاكمون، سيقومون عن غير قصد باظهار عدالته وسلطانه ومجده الذي لا يُحد أو يُحصر (رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 9: 22 – 23).

عندما تشاور الرب مع نفسه ليُقرر ما إذا كان عليه أن يُخلّص جميع البشر، لم يُشاور فقط حقيقة ما يراه عندما ينظر عبر العدسة الضيّقة بل ايضأً الحقيقة التي يراها عندما ينظر الى الأشياء بواسطة العدسة ذا الزاوية الواسعة وحكمته كاملة المعرفة. أذا، كما يقول ال Calvinists، اعتبر الرب بأنّ الإختيار الغير مشروط لبعض الناس دون سواهم شيء حكيم وجيد. يجوز شرعياً لأحدهم أن يتساءل ما إذا عرض الخلاص للجميع هو حقيقي، أو كان وليد عاطفة من القلب؟ هل كان وليد عاطفة صادقة؟ وهل المشيئة الإلهيّة بأن لا يهلك أحد ناتج عن حسن نيّة مشيئة المحبة؟

الطريقة التي قد أعرض فيها هذا قد فسّرها Robert L. Dabney في مقال كتبه منذ أكثر من مئة عام مضى. علاجه للموضوع مفصّل جداً ويُجاوب على العديد من الإعتراضات التي تذهب لأبعد من حدود هذا الفصل. سوف أُعطي جوهر هذا الحل, والذي يبدو لي انه على الطريق الصحيح، مع انني أثشاطره الرأي باننا نحن لا "نقدّم تفسيراً شاملاً لهذا اللغز حول الإرادة الإلهيّة."

استخدم Dabney تشبيه من حياة جورج واشنطن (George Washington) المأخوذة من كتاب رئيس القضاء Marshall عن Life of Washington. تكلم بأن ثمة رائد أندريه Major André قد عرّض للخطر سلامة وطن حديث السن بتصرفاته الخائنة "المتهوّرة والمشؤومة". يقول Marshall عن مذكرة الحكم بالإعدام والتي وقّعها Washington :" ربما لم تكن هناك مناسبة في حياته حيث كان على القائد العام للقوات الإطاعة،عن مضض، الأوامر الرسميّة والسياسيّة الصارمة." لاحظ Dabney بأن تعاطف Washington مع André كان"حقيقياّ وعميقاً". كما كان يتمتّع "بالسلطة المطلقة لقتل أوالحفاظ على قيد الحياة." فلماذا إذاً وقّع على مذكرة الإعدام هذه؟ فسّر Dabney :" إختيار Washington التوقيع على مذكرة الحكم بالإعدام بحق André لم يكن نابعاً من ان تعاطفه كان بالواقع طفيفاً ومتكلّفاً ، بل من أن هذا الفعل نبع عن حقيقة عقلانيّة كتوازن معاكس لمجموعة من الأحكام المتفوّقة ... الحكمة، الواجب، الوطنيّة، والسخط الإخلاقي (العدسة ذا الزاوية العريضة).

يتخيّل Dabney مُدافعاً عن André يستمع الى Washington يقول:" أنني افعل ذلك مع أعمق ممانعة وشفقة." ثم يقول المدافع، " منذ كنت السلطة الأعلى في هذه القضية, وبما انك تتمتّع بالمقدرة الجسديّة الكاملة لتلقي بالقلم جانباً، فنحن سنعلم من خلال توقيعك على هذه الذكّرة بأن شفقتك منافقة ومزيفة." يُجاوب Dabney "أن رداءة الطبع في هذه التهمة قد يكون مساوياً لحماقتها. الشفقة كانت حقيقيّة، ولكن هناك دوافع وحوافز متفوقة عملت على كبحها. كان ل Washington السلطة الرسمية والمقدرة الجسديّة لإطلاق سراح المجرم، ولكن لم تردعه حكمته وعدالته." النقطة المقابلة في حالة الإختيار الإلهي هي أنّ "غياب الإرادة في الله للإنقاذ لا تعني بالضرورة عدم وجود الرحمة." لدى الله " الرحمة الحقيقية، والتي لحد الآن مُقيّدة، في حالة ... الغير المنتخب، لإسباب ثابتة ومقدّسة، بدأً بأخذ شكل الإرادة الى التجدد." حكمة الله اللانهائيّة "تنظم إرادته بالكامل وترشد وتنسّق (لا تقمع) كل مبادئه الفعّالة."

بكلمات أخرى، تعاطف الله مع الخطاة الهالكين حقيقي وعميق. إرميا يُشير الى هذه الحقيقة هي في قلب الله. في مراثي إرميا 3: 32 – 33 يتكلّم عن الحكم الذي أنزله الرب على أورشليم:"فَإِنَّهُ وَلَوْ أَحْزَنَ يَرْحَمُ حَسَبَ كَثْرَةِ مَرَاحِمِهِ. لأَنَّهُ لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ ، وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي الإِنْسَانِ." كلمة "طوعاً" تُترجم كلمة عبريّة مركبة (milibo) والتي تعني حرفياً "من قلبه"(قارن ڊ الملوك الأول 12: 33). يبدو هذا على أنّه إسلوب إرميا للقول بأن الله يشاء فعليا المصيبة/المحنة التي تسبب بها، ولكنه لم يشاءها بنفس الطريقة كالتي يشاء بها العاطفة. المصيبة لم تصدر "من قلبه." كان إرميا يحاول, كما نحن نحاول، ان نتصالح مع الطريقة التي يشاء بها الله الملك شيئيين مختلفين: المصيبة / المحنة والعاطفة.

تعبير الله للشفقة وتوسلاته تصدر من القلب. هناك ميل حقيقي وصادق في قلب الله ليصفح عن هؤلاء الذين ارتكبوا خيانة ضد الملكوت. ولكن دوافعه مُعقّدة، وليس كل عنصر منها يرتفع الى مستوى الإختيار الفعّال. في قلبه الكبير والغامض هناك أنواع من الأشواق / الحنين ورغبات حقيقيّة —إنّها تُخبرنا بشيء صحيح وبصدق عن شخصيّة اله الحقيقيّة. ومع ذلك، هذه لا تتحكّم أجمعها بأفعال الله. هو يتأثر ومُوجّه بعمق حكمته ؛ يتم التعبير عن ذلك من خلال خطّة التي لا يمكن يستقصيها إنسان عادي ( رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 11: 33 – 36؛ رسالة بولس الرسول الى أهل كورنثوس 2: 9). هناك أسباب مُقدّسة وعادلة تُظهر لماذا المحبة الصادقة الصادرة من قلب الله لها هذه الطبيعة، والحدّة، والأبعاد.

كان Dabney يعلم بأن هناك عدّة أنواع من الإعتراضات التي يمكن أن تُثار معاكسة للتشبيه ڊ George Washington وتطبيقه على الله. هو يُقرّ بأنه "لا وجود لتشبيه مثالي ما بين افعال صادرة عن عقل وإرادة محدودة وتلك الغير محدودة." ومع هذا، فإنني اعتقد بأنّه كان مُصيباً في قوله بأن هذه الإعتراضات لا تُطيح بالحقيقة الأساسيّة القائلة بأنه من الممكن ان تجد في قلب نبيل وعظيم (حتّى القلب الإلهي) تعاطف صادق لمجرم لم يُحرر.

ولذلك إنني أءكد مع إنجيل يوحنا 3: 16 ورسالة بولس الرسول الأولى الى تيموثاوس 2: 4 بأن الله يحب العالم بعاطفة عميقة ترغب الخلاص لجميع البشر. ومع ذلك أنني ايضاً أءكد بأن الله قد اختار من قبل تأسيس العالم من سينجى من الخطيئة. وبما أن ليس كل الأشخاص سيخلصون، يجب علينا إذاً أن نختار ما غذا كنّا نؤمن (مع الArminians) بأن مشيئة اله لخلاص الجميع مُقيّدة بالتزامه بحريّة الإنسان لاختيار مصيره، أو أن نؤمن (مع ال Calvinists) بأن مشيئة الله لخلاص جميع البشر مُقيّدة بالتزامه بمدح مجد نعمته السياديّة (رسالة بولس الرسول الى أهل أفسس 1: 6، 12، 14؛ رسالة بولس الرسول الى أهل رومية 9: 22 – 23).

لا ينبغي أن يُأخذ هذا القرار على اساس إفتراضات مُتجرّدة حول ما نعتقد مسؤوليّة الإنسانية تتطلب منا. بل يجب ان يقوم هذا القرار على أساس تعاليم الكتاب المقدس. لا أجد في الكتاب المقدس ما يدل بان لللإنسان القدرة القصوى النهائيّة لتقرير مصيره,. ولكنني استطيع القول بأنّه إستنتاج فلسفي مُرتكز على إفتراضات مُتجرّدة أو ما ورائيّة.ومن جهة ثانية، يهدف هذا الكتاب الى تبيان أن سياديّة نعمة الله في الخلاص تُعلّم في الكتب.

مساهمتي كانت ببساطة نهدف إظهار مشيئة الله بأن الجميع يخلص لا تتضارب مع سيادة نعمة الرب في الإختيار لمن سيخلص. أي أن جوابي للسؤال الذي ورد حول ما إذا كانت إرادة الله لخلاص جميع البشر مُقيّدة هو ان للرب التزام سامي لدعم وإظهار كامل مجده من خلال إثبتات مستقلّة عن غضبه ورحمته لمتعة مختاريه والمؤمنين من كل قبيلة، لسان، وأمّة.