قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ

في 1 يونيو 1973، زار تشارلز كولسون صديقه توم فيليبس، عندما تفجرت فضيحة ووترجيت في الصحافة. وكان هو في حيرة وصدمة من شرح فيليبس أنه "قبل يسوع المسيح". ولكنه رأى أن توم كان بتمتع بالسّلام بينما هو لم يكن. عندما غادر كولسون المنزل، لم يستطع أن يجعل مفاتيحه تعمل في السيارة وكان يبكي بشدة. يقول عن ذلك:

في تلك الليلة تواجهت مع خطيتي الخاصة، ليست فقط مكايد وترجيت القذرة، ولكن الخطية في عمق داخلي، والشر الخفي التي يعيش في قلب كل إنسان. كان ذلك مؤلما، ولم أتمكن من الفرار منه. صرخت إلى الله ووجدت نفسي مرفوع بشكل لا يُقاوم إلى ذراعيه التي تنتظرني. كانت تلك هي الليلة التي سلمتُ فيها حياتي ليسوع المسيح، وبدأت أعظم مغامرة في حياتي. (محبة الله، ص. 247).

فهم تشارلز كولسون الجديد عن الله:

هذه القصة تم روايتها مئات المرات في السنوات العشر الماضية. نحن نحب أن نسمعها. لكن العديد منا يكتفي بهذه القصة في حياتنا وحياة كنيستنا. ولكن ليس كذلك مع تشارلز كولسون. فالأمر لا يقتصر على استعداد رجل البيت الأبيض أن يبكي في عام 1973، بل كان أيضا على استعداد للتوبة بعد عدة سنوات عن صورة الله الغير ملائمة على الإطلاق. كان ذلك خلال فترة جفاف روحي غير عادية. (إذا كنت تمرّ في واحدة منها، فتشدد! فكثير من القديسين أكثر مما تتصور كان لهم لقاءات مغيّرة للحياة مع الله في وسط الصحراء.) اقترح صديق على كولسون أن يشاهد سلسلة من المحاضرات على شريط فيديو لـِ آر سي سبرول عن قداسة الله. وهذا ما كتبه كولسون في كتابه الجديد، محبة الله (ص. 14-15):

كل ما أعرفه عن سبرول هو أنه كان لاهوتيّا، لذلك لم أكن متحمسا. ففي نهاية الأمر، كما كنت أظن، كان اللاهوت لأشخاص لديهم وقت للدراسة، منعزلين في أبراج عاجيّة بعيدة عن ميدان القتال لاحتياج الإنسان. ومع ذلك، بناء على إلحاح من صديقي وافقت أخيرا على مشاهدة سلسلة سبرول.

في نهاية المحاضرة السادسة كنت راكعا على ركبتي، متعمقا في الصلاة، في رهبة من قداسة الله المطلقة. كان اختبارا مغيرا للحياة وقد اكتسبت فهما جديدا تماما عن الله القدوس الذي أؤمن به واعبده.

انتهى جفافي الروحي، ولكن هذا المذاق لعظمة الله جعلني مع ذلك أعطش لمزيد منه.

في عام 1973 كان كولسون قد رأى ما يكفي من الله ومن نفسه حتى يعلم احتياجه الماس إلى الله، وقد أقتيد "بشكل لا يُقاوم" (كما يقول هو) إلى ذراعي الله. ولكن بعد عدة سنوات لاحقة حدث أمر رائع آخر. تحدث لاهوتي عن قداسة الله، ويقول تشارلز كولسون أنه جثا على ركبتيه و"اكتسب فهما جديدا تماما من الله القدوس". من تلك اللحظة كان له ما يسميه "مذاق لعظمة الله." هل رأيت ما يكفي من قداسة الله حتى يكون لك مذاقا لا يعرف الشّبع من عظمته؟

أيّوب يرى الله بشكل جديد:

"كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ." (أيوب 1: 1). كان أيوب مؤمنا، تقي بعمق ورجل صلاة. بكل تأكيد كان يعرف الله كما يجب. كان بالتأكيد لديه "مذاق لعظمة الله." ولكن بعد ذلك جاء الألم والبؤس من جفافه الروحي والجسدي. وفي وسط ظلام أيوب تكلم الله بجلاله إلى أيوب:

لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي، تَسْتَذْنِبُنِي لِكَيْ تَتَبَرَّرَ أَنْتَ؟ هَلْ لَكَ ذِرَاعٌ كَمَا ِللهِ، وَبِصَوْتٍ مِثْلِ صَوْتِهِ تُرْعِدُ؟ تَزَيَّنِ الآنَ بِالْجَلاَلِ وَالْعِزِّ، وَالْبَسِ الْمَجْدَ وَالْبَهَاءَ... اُنْظُرْ إِلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَذَلِّلْهُ، وَدُسِ الأَشْرَارَ فِي مَكَانِهِمِ... فَأَنَا أَيْضًا أَحْمَدُكَ لأَنَّ يَمِينَكَ تُخَلِّصُكَ... فَمَنْ يَقِفُ إِذًا بِوَجْهِي؟ مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ؟ مَا تَحْتَ كُلِّ السَّمَاوَاتِ هُوَ لِي. (أيوب 40: 8-14 ؛ 41: 10-11)

في النهاية استجاب أيوب، مثل كولسون، إلى "فهم جديد تماما عن الله القدوس". قال:

لكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ. (42: 3-6)

المثابرة والرجاء في السعي إلى الله القدوس:

هل يمكن أن يحدث هذا في كنيسة بيت لحم؟ نعم يمكن وهو حاصل. فإن لم أرَ أية علامات على ذلك، سيكون من الصعب أن أواصل رغم أنني أدرك أن المثابرة هي مفتاح النهضة. أي جي جوردون كتب في كتابه، الروح القدس في الإرساليات، ص. 139- 140:

لقد مرت سبع سنوات قبل أن يعمّد كاري أول شخص تجدد في الهند، ومرت سبع سنوات قبل أن يربح جودسون أول تلميذ له في بورما؛ عمل موريسون سبع سنوات قبل أن يأتي أول شخص صيني إلى المسيح؛ أعلن موفات أنه انتظر سبع سنوات ليرى أول تحرك واضح للروح القدس في بيخواناس بأفريقيا؛ عمل هنري ريتشاردز بقوة لسبع سنوات في الكونغو قبل أن يربح أول شخص تجدد في بانزا مانتيكا.

المثابرة، والصلاة والعمل، هو مفتاح النهضة. وكذلك الإنتظار والرجاء. وقد أعطاني الله بوادر أمل أن اختبارات إشعياء وأيوب وتشارلز كولسون يمكن أن تحدث هنا إذا واصلنا سعينا الجاد وراء الله القدوس. على سبيل المثال، كتب أحد أعضائنا لي رسالة قبل اسبوع قال فيها أن الخدمة هنا:

قد أخذتني لمرتفعات أبعد كثيرا مما كنت أتصور سابقا كقمم الجبال، لصورة افخم وأكبر، وأعظم، وأمجد عن الله المتعالي مما كنت اتصور في أي وقت مضى. . . رؤيتي لله أصبحت أكبر وأكبر ومن خلال عظمته الكلّية القدرة يفيض كل شيء، كليّ الكفاية. ففي خلال الأشهر العشرة التي قضيتها في كنيسة بيت لحم كان هناك نهضة رائعة في قلبي ولهيبا يشتعل أكثر إشراقا وأكثر يقينا مما كان عليه في أي وقت مضى.

تحدث النهضة عندما نرى الله مهيب في القداسة، وعندما نرى أنفسنا تراباً غير مطيع. الانكسار، التوبة، والفرح الذي لا يوصف للغفران، و"مذاق لعظمة الله"، وجوع لقداسته- لنعرف هذه القداسة أكثر، ونحياها أكثر: هذه هي النهضة. وتأتي من رؤية الله.

سبعة لمحات عن الله في رؤية إشعياء:

يدعونا إشعياء أن نشترك في رؤيته لله في إشعياء 6: 1-4.

فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ، وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا.

هناك سبع لمحات عن الله أراها في هذه الآيات الأربعة، على الأقل سبعة.

1. الله حي:

أولا، هو حي. مات عزيا، ولكن الله حي. "مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ" (مز 90: 2). كان الله هو الإله الحيّ عندما جاء هذا الكون إلى حيز الوجود. كان الإله الحيّ عندما شرب سقراط سمّه. كان الإله الحيّ عندما حكم وليم برادفورد مستعمرة بليموث. كان الإله الحيّ في عام 1966 عندما أعلن توماس آلتيزير وفاته، ومجلة تايم وضعت ذلك على صفحة الغلاف. وهو سوف يبقى حيّاً عشرات التريليونات من الدهور من الآن لحين تكون كلّ الهجمات الضئيلة ضد حقيقته قد غرقت في غياهب النسيان مثل البوراج الحربية في قاع المحيط الهادي. "فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ". لن يكون هناك أيّ رئيس واحد لأية دولة في كافة أنحاء العالم الذي سيكون هناك بعد خمسين عاما. إنّ تناوُب القيادة في العالم هو 100%. خلال 110 سنوات وجيزة سوف يتزوّد هذا الكوكب بالسّكان بما يقدّر بعشرة بلايين من البشر الجدد، وكل الأربعة بلايين منا على قيد الحياة اليوم سيختفون من على وجه الارض مثل عزّيا. ولكن ليس كذلك مع الله. فهو لم يكن له بداية إطلاقاً، وبالتالي يعتمد على لا شيء في وجوده. هو دائما كان وسيبقى دائما حيا.

2. الله صاحب السّلطان:

ثانيا، هو صاحب السّلطان. "رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ". لم تصور رؤية ما للسماء لمحة عن إله يحرث الحقل، أو يقطع العشب له أو يلمّع الأحذية أو يملء التقارير أو يحمّل الشاحنات. السموات لا تتفكك شققها. فالله ليس لفطنته في عالم السّموات نهاية إطلاقاً. بل هو جالس. وجالس على العرش. كل شيء في سلام وهو مسيطر على زمام الإمور.

العرش هو حقه في حكم العالم. نحن لا نعطي الله السلطة على حياتنا. بل هو لديه ذلك سواء أحببنا ذلك أم لا. إنها حماقة مطلقة أن نتصرف كما لو كان لدينا أي حقوق على الإطلاق أن نستجوب الله! نحن بحاجة للاستماع بين الحين والآخر إلى كلمات حادة مثل تلك التي لفرجينيا ستيم اوينز التي قالت في عدد الشهر الماضي من مجلة الإصلاح،

دعونا ندرك هذا الشيء بشكل صحيح. يمكن لله أن يفعل أي شيء يرضيه تماماً، بما في ذلك أن يُحسن اللعنة. فإن كان يرضيه أن يحكم على أمر، إذاً فالأمر يحصل، بحكم الأمر الواقع، حسناً. نشاط الله هو ما هو عليه. ليس هناك أي شيء آخر. بدون هذا النشاط لن يكون هناك أي وجود، بما في ذلك البشر مفترضين أنهم يحكمون على خالق كل شيء.

أشياء قليلة هي أكثر تواضعا، وأشياء قليلة تعطينا هذا الشعور بالجلال العظيم، كحقيقة أن الله صاحب السيادة المطلقة. فهو بمثابة المحكمة العليا، والتشريعية، والرئيس التنفيذي. بعده، لا يوجد استئناف.

3. الله كلي القدرة:

ثالثا، الله كلي القدرة. فعرش سلطانه ليس عرشا من بين كثيرين. بل هو عال ومرتفع. "رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ". أن يكون عرش الله أعلى من أي عرش آخر يدل على قوة الله المتفوقة في ممارسة سلطانه. لا يمكن لأي سلطة معارضة إلغاء مقاصد الله. فما يعتزم عليه يحققه. "رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي" (إشعياء 46: 10). "هُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ" (دانيال 4: 35). أن تُأسر من قبل سلطة الله المطلقة (أو سيادته) هو إما أمر رائع لأن الله إلهنا، أو مخيف لأنه ضدنا. عدم الإكتراث بقدرته المطلقة يعني ببساطة أننا لم نرَها على ما هي عليه. السلطة السيادية للإله الحي هي ملاذ مليئ بالبهجة والقوة لأولئك الذين يحفظون عهده.

4. الله متألق:

رابعا، الله متألق. "رَأَيْت السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ." لقد رأيتَ صورا لعرائس حيث تلتف حولهن فساتينهن مغطين الخطوات والمنصة. فماذا سيكون المعنى لو ملأت الأذيال الممرات وغطت المقاعد وعليّة الكورال، حيث الكل منسج من قطعة واحدة؟ أن يملأ رداء الله كل الهيكل السماوي يعني ذلك أنه إله الفخامة التي لا تضاهى. فكمال بهاء الله يظهر نفسه بالف طريقة.

مثال واحد صغير، العدد الصادر في يناير لرانجير ريك فيه مقالة عن أنواع الأسماك التي تعيش في أعماق البحار المظلمة حيث لها أضواء مدمجة خاصة بها، بعضها له مصابيح تتدلى من ذقونهم، والبعض لها أنوف منيرة، والبعض لها منارات تحت أعينها. هناك آلاف الأنواع من الأسماك ذات الإضاءة الذاتية التي تعيش في أعماق المحيط حيث لا أحد منا يستطيع رؤيتها والاندهاش منها. فهي غريبة وجميلة بشكل مذهل. لماذا هم هناك؟ لماذا لا يوجد مجرد دزينة أو ما نحو من ذلك من نماذج مبسطة تتسم بالكفاءة؟ لأن الله وافر في البهاء. ينتقل ملء إبداعه إلى الجمال الشديد. وإن كان ذاك هو حال العالم، فكم بالحري يجب أن يكون الرّب أكثر بهاءً فهو الذي صممه وصنعه!

5. الله موقر:

خامسا، الله موقر. "السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ". لا أحد يعرف ما هي هذه المخلوقات الغريبة الستة المجنحة مع القدمين والعينين والفهم. لا يظهرون مرة أخرى في الكتاب المقدس، على الأقل ليس تحت اسم السيرافيم. نظرا لعظمة المشهد وقوة الجنود الملائكية، فمن الأفضل ألا نتخيّلها كأطفال مجنحين وبدنين يرفرفون حول أذني الرب. وفقا للآية 4، عندما تحدث واحد منهم، أهتزت أساسات الهيكل. كان من الأفضل أن نفكر في "الملائكة الزرقاء" وهم يهبطون بتشكيل مرافقين الحاشية الرئاسية ومصدعين جدار الصوت أمام وجهه. فإنه لا توجد مخلوقات ضئيلة أو سخيفة في السماء. بل فقط فخمة.

والفكرة هي: هم لا يستطيعون حتى أن ينظروا إلى الرب ولا يشعرون أنهم مستحقون حتى أن يتركوا أقدامهم مكشوفة في محضره. بالرغم من كونهم عظماء وصالحين، وغير ملوثين بخطية الإنسان، فإنهم يوقرون صانعهم في تواضع عظيم. إن الملاك يرعب الإنسان بتألقه وقوته. ولكن الملائكة نفسها تختبئ بخوف مقدس ومهابة من بهاء الله. فكم بالحري نحن نرتعد ونهتز في محضره ونحن لا يمكننا حتى أن نحتمل بهاء ملائكته!

6. الله قدوس:

سادسا، الله قدوس. "وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ." هل تذكرون كيف أن ريبشيب، الفأر الباسل، في نهاية رحلة تاجر الفجر حيث أبحر إلى نهاية العالم في زورق صغير له؟ حسنا، إن كلمة "قدوس" هي القارب الصغير الذي نصل به إلى نهاية العالم في محيط اللغة. فإمكانيات اللغة لحمل معنى الله تنفذ في نهاية المطاف وتمتد على حافة العالم إلى المجهول الواسع. "القداسة" تحملنا إلى الحافة، ومن هناك فصاعدا يكون اختبار الله إلى ما أبعد من الكلمات.

والسّبب أنني أقول هذا هو أن كل جهد لتعريف قداسة الله يدور في نهاية المطاف حول القول: الله قدوس يعني أن الله هو الله. اسمحوا لي بالتوضيح. إنّ المعنى الجذري للقداسة هو على الارجح أن يقطع أو ينفصل. فالشيء المقدس هو المقطوع من والمنفصل عن الاستخدام العام (ويمكننا القول: العلماني). فالأشياء الأرضية والأشخاص مقدسين لأنهم متميزين عن العالم، ومكرسين لله. لذلك فإن الكتاب المقدس يتحدث عن أرض مقدسة (خروج 3: 5)، محفل مقدس (خروج 12: 16)، سبوت مقدسة (خروج 16: 23)، أمة مقدسة (خروج 19: 6)؛ ثيابا مقدسة (خروج 28: 2)، مدينة مقدسة (نحميا 11: 1)، وعود مقدسة (مزمور 105: 42)، أناس مقدسون (2 بطرس 1: 21) ونساء (1 بطرس 3: 5)، كتب مقدسة (2 تيموثاوس 3: 15)، أيادي مقدسة (1 تيموثاوس 2: 8)، قبلة مقدسة (رومية 16: 16)، إيمان مقدس (يهوذا 20). يمكن أن يصبح أي شيء تقريبا مقدسا إذا كان منفصلا عن الاستخدام العام ومكرسا لله.

لكن لاحظ ماذا يحدث عندما يتم تطبيق هذا التعريف على الله نفسه. مِمَّ تستطيع أن تفصل الله لكي تجعله مقدسا؟ فألوهيّة الله نفسها تعني أنه منفصل عن كل ما هو ليس الله. فهناك فارق نوعي غير محدود بين الخالق والمخلوق. الله هو واحد من نوع ما. فريد من نوعه. في فئة بحدّ ذاته. بهذا المعنى هو مقدس تماما. لكنك بذلك لم تقل ما يزيد عن كونه الله.

أو إن كانت قداسة الإنسان تُستَمَدّ من كونه منفصلا عن العالم ومكرسا لله، فلمن يكون الله مكرسا لكي يستمد قداسته؟ ليس لأحد إلا نفسه. فمن التجديف أن تقول أن هناك حقيقة أعلى من الله يجب أن يتوافق معها من أجل أن يكون مقدسا. فالله هو الحقيقة المطلقة وما بعده ما هو سوى الكثير من الله. عندما سُئل عن اسمه في خروج 3: 14 قال "أَهْيَه الَّذِي أَهْيَهْ." فكيانه وشخصيته غير محدودين مطلقا بأي شيء خارج ذاته. فهو ليس قدّوساً لأنه يحافظ على القوانين. بل هو وضع القوانين! الله ليس قدّوساً لأنه يحفظ الناموس. بل الناموس هو مقدس لأنه يعلن الله. الله هو المطلق. كل شيء آخر مشتق منه.

فما هي قداسته إذاً؟ استمع إلى ثلاثة نصوص. 1 صموئيل 2: 2 "لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ، وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلهِنَا". إشعياء 40: 25 "فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ الْقُدُّوسُ". هوشع 11: 9 "لأَنِّي اللهُ لاَ إِنْسَانٌ، الْقُدُّوسُ فِي وَسَطِكَ." في النهاية الله قدوس لأنه هو الله وليس إنسان. (فارن لاويين 19: 2، 20: 7. ولاحظ البنية الموازية لإشعياء 5: 16). فهو لا يُقارن. قداسته هي جوهره الإلهي الفريد من نوعه تماما. فإنها تحدد كل ما هو عليه وما يفعل ولا يتم تحديدها من قبل أي شخص. فقداسته هي ما هو عليه باعتباره الله، وهذا ما لا يكونه أي شخص آخر، أو سيكونه على الاطلاق. يمكنك أن تطلق عليها جلاله، إلوهيته، عظمته، قيمته، كلؤلؤة كثيرة الثمن. ففي النهاية تنفذ اللغة. في كلمة "القداسة" قد ابحرنا الى نهاية العالم في صمت تام من الخشوع والرهبة والعجب. قد يكون هناك الكثير لنعرفه عن الله، ولكن ذلك سيكون إلى ما أبعد من الوصف. "أما الرَّبُّ فَفِي هَيْكَلِ قُدْسِهِ. فَاسْكُتِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ" (حبقوق 2: 20).

7. الله مجيد:

ولكن قبل الصمت واهتزاز الأساسات والدخان الذي يخفي كل شيء نتعلم أمرا سابعا أخيرا عن الله. الله مجيد. "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ". مجد الله هو مظهر من مظاهر قداسته. فقداسة الله هي الكمال الذي لا يُقارن لطبيعته الإلهية، ومجده هو إظهار تلك القداسة. "الله مجيد" يعني: أن قداسة الله قد انطلقت للملء. مجده هو الإعلان المكشوف لسر قداسته. في لاويين 10: 3 يقول الله: "فِي الْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ، وَأَمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ." عندما يظهر الله نفسه لكونه قدوسا، ما نراه هو المجد. فقداسة الله هي مجده الخفي. ومجد الله هو إعلان قداسته.

عندما قال السيرافيم "مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ لأَرْضِ"، كان ذلك لأنه من أعالي السماء يمكنك أن ترى نهاية العالم. أما من تحت هنا فمنظر مجد الله محدود. ولكنه محدود إلى حد كبير بسبب حماقة تفضيلنا للرتوش. لو استخدمنا مثلا من أمثال سورين كيركيغارد، فنحن مثل الناس الذين يركبون عربة في الليل إلى القرية لنرى مجد الله. لكن فوقنا، على جانبي مقعد العربة يحترق فانوس الغاز. ما دامت رؤوسنا محاطة بهذا الضوء الاصطناعي، ستكون السماء فوقنا خالية من المجد. ولكن إن هبت بعض الرياح الكريمة للروح على اضوائنا الأرضية، عندها وفي ظلامنا تمتلئ سماوات الله بالنجوم.

يوما ما سوف ينفخ الله ليبعد كل مجد منافس ليجعل قداسته معروفة في روعة رهيبة على كل مخلوق متواضع. ولكن ليست هناك حاجة للانتظار. أيوب، وإشعياء، وتشارلز كولسون، والعديد منكم قد اتضع لكي يسعى بشكل دؤوب وراء الله القدوس، وقد طوّر مذاقا لجلالته. لك ولباقي الذين في مرحلة بداية شعورهم بذلك، أحمل هذا الوعد من الله، الذي هو حي إلى أبد الأبدين، صاحب السلطان، كلي القدرة، متألق، موقر، قدوس، ومجيد: "فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي (تسعون ورائي بشكل دؤوب) بِكُلِّ قَلْبِكُمْ" (إرميا 29: 12-13).